أما أهل الإيمان فيرون أن ما يجري على الأرض صراعاً بدأ بالصراع بين آدم وحواء عليهما السلام، وبين إبليس العدو اللدود للإنسان، والصراع حول قضية الطاعة والمعصية، طاعة الله عز وجل أو معصيته، فهناك من يطيع الله فيعبده ويوحده، ويتبع رسله، وهناك من يكفر به ويعصيه، ويخالف رسله ويعاديهم، ويسعى في الأرض فساداً، وهذا هو الذي يجري عليه محور الصراع، إذ بين البشر هو بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وحول قضية التوحيد والشرك، وقضية الإيمان والكفر.
ومن هنا يفهم أهل الإسلام والإيمان الذين اتعظوا بمواعظ القرآن أنهم لا يصح لهم بحال من الأحوال أن يغفلوا عن هذه الحقيقة، أو يقبلوا خداع الشيطان وأولياءه من زخرف القول الغرور، الذي يوحيه بعض الشياطين من الإنس والجن إلى بعض؛ لصرف الناس عن حقيقة الصراع؛ ولكي يقعوا في دوامات الفتن، ويغفلوا عن مصدر القوة الحقيقية، ومصدر النصر الآتي بإذن الله لأهل الإيمان والإسلام.
فإذا فقدوا فهمهم وقراءتهم للتاريخ قراءة صحيحة وفق كتاب الله عز وجل فسوف يغرقون في فتن عجيبة، وإذا جعلنا محور الصراع الذي يقع في الأرض هو حول المال، أو الجنس، أو الأرض، أو حول علو قومية معينة فلنبشر بالدمار، فهناك خمسة وخمسون مليون إنسان قتلوا من أجل فكرة خطرت في بال واحد، هي أن الجنس الألماني هو الذي لابد أن يسود، فالحرب العالمية الثانية قامت من أجل ذلك، فوقع خمسة وخمسون مليون إنسان قلتى، والجرحى أضعاف ذلك، كل ذلك لأجل فكرة سيطرت على إنسان وأقنع بها ملاييناً فساروا في حروب مدمرة، فـ هتلر هو الذي رأى أن الجنس الألماني يجب أن يسيطر، وأن الأمم الأخرى لابد أن تخضع، ومثلها وإن كانت أوسع قليلاً نظرية التفرقة العنصرية ووجوب علو الجنس الأبيض، وما زالت هذه قائمة في الحقيقة، حيث يرى الأوروبيون البيض وأمثالهم من الأمريكان أن الأمم الأخرى لابد أن تكون حقيرة وذليلة لهم، واليهود يفكرون بنفس الطريقة، حيث يقولون: إنهم سادة العالم، فلذا يريدون السيطرة على العالم من خلال كل الوسائل، فالمال يسخرونه، والجنس يسخرونه، والصراعات دائماً يسخرونها؛ لأجل سيطرتهم على العالم.
فهل نغفل نحن عن حقيقة أو مفتاح الصراع بين البشر؟ فإن الصراع الحقيقي يدور بين الإيمان والكفر، وبين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ومحور الصراع: هو قضية التوحيد والشرك، وقضية الطاعة والمعصية، فنريد أن نطيع الله، وأن يطيعه البشر ويتبعوا رسله ويصدقوهم، ويلتزموا أوامرهم، ونريد أن يعبد الله وحده لا شريك له في الأرض كلها، ويريد أعداء الإسلام غير ذلك، فيريدون أن يعبد الشيطان، وأن يعبد المال، وأن تعبد الشهوات، وأن يعبد البشر، وأن تعبد الأحجار والأشجار وغير ذلك، والصراع يقع ويجري، وسنة الله عز وجل في هذا الصراع عبر التاريخ واحدة، وموازينه تسير في مراحل ثابتة، وتنتقل من مرحلة إلى مرحلة في توقيت يعلمه الله سبحانه وتعالى، بناء على صفات وأحوال الأمم والأفراد المنتمية لهذه الأمم، ولذا كانت تلك المقدمة بالغة الأهمية، ونعني: الآيات التي وردت ذكرت صفات المؤمنين، من أول التحذير من الربا وعدم أكله، ثم ما تلا ذلك من الأمر بأوامر عظيمة الأهمية من تقوى الله عز وجل، والمسارعة والمنافسة في جناته التي عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين قال الله: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:134 - 135].