وكذلك علم الله بما كان وما سيكون، وما مضى وما سوف يأتي، وتفاصيل ذلك، وما لم يكن لو كان كيف يكون، فالأشياء التي لم تقع قد علم الله عز وجل أنها لو كانت تقع على أي صورة لوقعت، كما قال عز وجل: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام:28]، وقال سبحانه وتعالى: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف:80 - 81].
إذاً: فقد علم الله أن هذا الغلام لو كبر لكان كافراً، فعلم الله ما لم يكن لو كان كيف يكون، ولذلك إذا حصل للإنسان شيء والناس ينزعجون من هذا الشيء فإنهم يقولون: يا أخي! لو كان كذا ما كان كذا وكذا، ولسنا الذين نعرف ما لم يكن لو كان كيف يكون، فالإنسان يفوض علم ذلك إلى الله ويقول: إن علم الله محيط بما لم يكن لو كان كيف يكون، ولا يقول: لو كان كذا لكان كذا وكذا؛ لأن لو تفتح عمل الشيطان، كأن يموت شخص فيقول الناس: لو أنه مات قبل هذا بقليل، لو أنه مات قبلنا أو مات بعدنا، لو أن الله عمل كذا، فلو قلنا له: لماذا تتكلم في هذا؟ أو لماذا تعترض على هذا؟ فإن هذا فتح لعمل الشيطان، فلو كان كذا فالله يعلم ما كان، وهو سبحانه وتعالى الذي يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، فثمرة هذا في حد الإنسان ألا يعترض على الله، ولا يقترح على الله، ولا يقول: لم يغير الله هذا الشيء الفلاني؟ فلست أنت الذي تقول هذا الكلام؛ لأن المؤمن يفوض أمره ويفوض العلم إلى الله سبحانه وتعالى، وكذلك يرد علم ما لا يعلم إلى عالمه، ولا يدعي علم ما لم يعلم، فقد عاتب الله موسى حين سئل: أي أهل الأرض أعلم؟ فقال: أنا، فعاتبه على ذلك إذ لم يرد العلم إليه، فقدر الله له أن يلقى الخضر حتى يعرفه أن هناك بعضاً من العلوم مما لا يعلمها، وأنَّ هناك من هو أعلم منه.