بيع العينة هو: أن يبيع ويشتري سلعة نقداً ونسيئة بغرض التحايل على الربا، فهو يريد أن يقترض بالربا، ولكن لا يريد أن يكون صريحاً في التعامل به، فيأتي بسلعة يعرضها للشخص الذي يريد أن يقترض منه، ويأخذ منه المال، ويقول: أبيع لك هذه بعشرة نقداً فيستلمها، وهو لا يريد بيعها، وبعد أن يتم العقد ويستلم السلعة يعطيه سلعة ويقول: بعتك إياها باثني عشر بالتقسيط، والحقيقة أن السلعة عادت ثانية، وأصبح مديوناً باثني عشر، وقبض بيده عشرة، وهذا تحايل على الربا.
والراجح حرمة بيع العينة، وهناك نص في المنع منها، واختلف العلماء في مسألة التورق، وصورتها: أن يشتري الرجل سلعة من السوق لا يريد شراءها ولا التجارة ولا الربح منها، لكن يأخذها ليبيعها بثمن بخس بأقل من ثمنها في السوق لكي يحصل على المال، وليس له غرض في السلعة، إنما غرضه الورق، وهذه تسمى مسألة التورق، ويسمونها حرق البضاعة الآن؛ لانتشار هذه النوعية من المعاملة، وحرق البضاعة لها صور أخرى، مثل: أن يبيعها بسعر بخس من المال بالاضطرار إلى البيع وهي مملوكة له من البداية، ومثلها أن يشتري سلعة بنقد بالتقسيط، ثم يبيعها بنقد تحايلاً لطرف ثالث، فهذه على الراجح ممنوعة، وهي داخلة في الربا، وهو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز، ورواية عن مالك، وثبت النهي عن ابن عباس رضي الله عنه حيث قال: دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة.
والله أعلى وأعلم.
فمثل هذه المعاملات كلها من أسباب الفساد الذي يقع بين الناس، فلا يرفع عنا الغلاء والوباء إلا بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والناس اليوم في أنواع من الكرب، وقد يظن كثير من الناس أن المخرج من ذلك بالاستدانة بالربا، وهذا ليس بمخرج، بل هذا يزيد الفقر، ويزيد الخراب، ويزيد الضياع، بل التوبة إلى الله عز وجل هي المخرج حتى ترد الحقوق إلى أصحابها، فيرفع عنا الغلاء والبلاء، ونسأل الله العفو والعافية.
ومن الأمور الربوية المنتشرة: بيع السلع قبل قبضها، فإنها من أعظم ذرائع الربا، وهي: المرابحة غير الشرعية التي تقوم بها كثير من المؤسسات المسماة بالإسلامية، ويمكن عقدها بطريقة شرعية، ولكن كثير منها يتم بطريقة غير شرعية، وكثير من الناس يقوم بها فعلياً بنفسه، وليس فقط المؤسسات، مثل أن يريد شراء أو بيع سلع بالتقسيط وهو لا يملك هذه السلعة، ويعرف من يريد شراءها، فيقول له: اذهب فخذ السلعة التي تريد من المكان الفلاني، ثم أنا أحاسب على ذلك، ولا يتم قبض السلعة فيما بين هذا وذاك، ولابد حتى يصح البيع بالتقسيط أن تكون السلعة المشتراه مملوكة للبائع، ولابد أن يتملكها وأن يقبضها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن تبتاع السلع حتى تقبض).
ويجري هذا على جميع السلع، فكل شيء بمنزلة الطعام كما قال ابن عباس.
إذاً: لابد أن يستلمها بيده، ثم يبيعها بعد ذلك، فالذي يريد أن يربح لا مانع أن يقول للمشتري صف لي الشيء الذي تريده، ولا مانع أن يذهب معه لتعيين السلعة المراد شراءها، وبعد ذلك يشتريها الشخص الذي يريد أن يربح، ويقبضها بيده، ويخرج بها من المكان الذي نهى أن تباع السلع فيه، ثم تباع.
والحديث كما ذكرت: (نهى أن تباع السلع حتى تقبض) والذي يذهب فيشتريها، ثم يقبضها ويخرج بها من المكان وتدخل في ضمانه وملكه، فله أن يبيعها له بعد ذلك، وهو قد أخذ منه وعداً بالشراء، لكن هذا الوعد ليس بيعاً، فلا يبع الذي يأخذ جزءاً من الثمن، ولا يجوز أن يعقد معه عقداً ملزماً قبل أن يشتري؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبع ما ليس عندك)، إنما يعده أن يشتري منه، ثم بعد ذلك إذا تملك السلعة وقبض باعها له.
فهذه أنواع كثيرة من المعاملات تقع بطريقة غير شرعية، ومنها: أنه يقول له: اذهب وخذ سلعة ثم يئِّّس صاحب المحل أو صاحب المكان من استردادها، وهذا أمر فاسد خطير.
ومن هذا الباب ما تعود عليه كثير من الناس من بيع بعض الكوبونات لبعض السلع أو بعض الحجوزات، كأن يحجز سلعة اشتراها سلماً، أو لم يقبضها بعد، وهو حاجز دوراً فيها، وهي مازالت في يد صاحب السلعة الأول الذي هو الباني -مثلاً- للشقة أو المالك مثلاً للكوبون وهي البضاعة نفسها، والكوبون هذا قيمته مائة جنيه، فيذهب فيبيعه لآخر بثمانين، أو يبيع الشقة التي حجزها وهي لم تتعين بعد، أو لم تخصص له، أو لم يستلم مفتاحها، فيبيعها قبل أن يستلمها، فهذا داخل في هذا الباب، وهو نوع من التحايل على الربا؛ لأنه دفع مبلغاً، وباعه بأقل منه حالاً، فهذا مما يجب الحذر منه حتى ينجينا الله.