الحقيقة أن طمأنينة القلب بالتوجه إلى الله دون ما سواه من أعظم أدلة توحيد الألوهية، ولكن لا يشعر بطمأنينة القلب ولا يجدها إلا المؤمنون المحبون الصادقون الذين جربوا الفرق الهائل بين الحياة والموت، وبين السعادة والشقاوة، وبين النور والظلام، وبين التوحيد والشرك، وبين الإيمان والكفر.
والذي جرب هذا يعرف أن القلب فعلاً محتاج لهذا.
ومن أجل أن يعرف الإنسان قدر التوحيد ينظر إلى غيره، ويتعظ بهم، فينظر إلى الكفار كيف يعيشون وكيف أنهم يحيون أسوأ حياة، وأشقى حياة والعياذ بالله! وهذا دليل على أن التوحيد دليل وجودي، يعني: يجده الإنسان ويتذوقه، قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ} [فاطر:19 - 22]، فهذه الآيات احتج بها الله عز وجل على أن المؤمن لا يستوي مع الكافر؛ إذ لا يمكن أن يستووا، كما أنه لا يستوي الأحياء والأموات كما لا يستوي الأعمى والبصير.
ولن يقول هذا الكلام إلا الذي عرف الفرق، والحي هو الذي يعرف الفرق.
أما الجماد فلا يدرك الفرق، وإنما الحي هو الذي يدرك الفرق بين الحي والميت.
أما توحيد الربوبية فهو الدليل الظاهر بالضرورة لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، ولذلك كان الاحتجاج به على توحيد العبادة أكثر في القرآن، قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ} [يونس:3].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة:21] فأي عاقل يقول: الذي خلق وحده هو الذي يستحق أن يعبد، يعني: يلزم من توحيد الربوبية توحيد الخالق، أي: بأن الله وحده هو المعبود، قال تعالى عن موسى لما سأله فرعون: (فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49] أي: الذي تدعوا إلى عبادته: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50].
وكلمة (لا إله إلا الله) تتضمن في شطرها الأول نفي، وهذا هو الكفر بالطاغوت، وتتضمن الإيمان بالله في شطرها الثاني (إلا الله)، وهذا هو الإثبات، قال تعالى في بيان هذا المعنى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:256].
قال سعيد بن جبير والضحاك: العروة الوثقى: (لا إله إلا الله)، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله حرم دمه وماله، وحسابه على الله).
فالنطق بها علامة على الكفر بما يعبد من دون الله؛ نقول هذا من أجل البعض الذي لم يفهم كلام محمد عبد الوهاب الذي يقول في تفسير هذا الحديث: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله) أنه لا يعصم دمه وماله بالنطق بالشهادة ولا بكونه لا يدعو إلا الله، بل لا يعصم دمه وماله حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما عبد من دون الله؛ ففهم منها بعضهم أن كل واحد لا يكفيه النطق بلا إله إلا الله، بل لابد معها من الكفر بما يعبد من دون الله.
فنقول: هذا الكلام غير صحيح؛ فإن الشيخ كان يتكلم على نوعية معينة من الناس، وليس كل الناس، بل أراد الذين كانوا يعبدون غير الله، فهؤلاء هم الذين لابد لهم عند الشهادة من الكفر بما يعبد من دون الله، أما غيرهم فإن لا إله إلا الله ذاتها علامة على ذلك؛ لأن شقها الأول: (لا إله) معناها: أنا أكفر بما يعبد من دون الله.
فيكفي قول: لا إله إلا الله، أو: كفرت بما يعبد من دون الله.
ولا يلزم أكثر من هذا، إلا إذا كان يقول مع لا إله إلا الله بآلهة أخرى.