التوحيد فرض عين، على كل مكلف أن يعلمه ويعمل به قبل الصلاة والزكاة وسائر الواجبات، ولهذا كان التوحيد هو أول دعوة للرسل، ولأتباع الرسل، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، وفي حديث ابن عباس عن معاذ: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل معاذاً إلى اليمن فقال له: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله)، وفي رواية البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه: (فادعهم إلى أن يوحدوا الله، فإذا هم عرفوا الله فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة).
فتبين بهذا ما يجب على الدعاة إلى الله من البدء بالدعوة إلى التوحيد وبيانه للناس، حتى أولئك الذين يزعمون أنهم يعرفون ربهم؛ لأن أهل الكتاب يقرون بوجود الله، فمعرفة الله هي التي قال عنها صلى الله عليه وسلم: (فإذا هم عرفوا الله) أي: إذا هم وحدوه.
إذاً: الذي يدعي أنه يعرف وجود الله أو حتى يدعي التوحيد وهو لا يوحده حقيقة لا يعرف الله.
فإذاً: لا بد أن يدعى إلى معرفة الله، وإلى توحيد الله.
ولذلك نقول: إن أولى الأولويات في الدعوة إلى الله عز وجل هو الدعوة إلى التوحيد، وليس بالمناهج الكلامية ولا بالطرق الفلسفية، ولا بمعرفة محاذير الشرك فقط، بل بالتوحيد الذي هو أول واجب، والذي هو فرض على العباد أن يأتوا به، وأن يتركوا عبادة غير الله، وأن يحبوا الله ويرجوه ويخافوه ويرغبوا إليه ويتوكلوا عليه، ونحو ذلك من أعمال القلوب.
فأول وأولى الأولويات بدء الدعوة بالتوحيد، حتى أولئك الذين يزعمون أنهم يعرفون ربهم، ولكنهم في الحقيقة يشركون به، فالمعلوم أن أهل الكتاب يقرون بوجود الله، ويزعمون توحيده ومعرفته، ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً أن يدعوهم إلى توحيد الله، فقال له: (فإذا هم عرفوا الله)، فدل ذلك على أن من لم يوحد الله لم يعرفه، وإن أقر بوجوده، وأقر ببعض أسمائه وصفاته.