الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وسلم.
أما بعد: فقد فطر الله عز وجل عباده على توحيده وحده لا شريك له، قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30].
والحنيف هو: المائل إلى الله، المعرض عن غيره، فهم بفطرتهم يميلون إلى ربهم، ويشتاقون إليه، لا يقر لهم قرار إلا بمعرفته وتوحيده ومحبته وطاعته، ولا يجدون سعادة في هذه الدنيا إلا إذا توجهت قلوبهم وجوارحهم إلى خالقها وبارئها دون من سواه، وإنما الشقاء في هذا العالم يرجع إلى توجه القلوب والوجوه إلى وجهة أخرى غير ما فطرت عليه، ويرجع ذلك إلى إعراضها عن ذكر ربها.
قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:124 - 126].
ولهذا كان أعظم نعيم في هذه الدنيا حب الله وعبادته، والأنس به والشوق إليه، كما أن أعظم نعيم أهل الجنة النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى.
قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23].
وقد جمع بينهما النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه فقال: (أسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة).
فالشوق إلى لقاء الله هو نعيم الدنيا، والنظر إلى وجه الله هو نعيم الآخرة.