الحمد الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
أما بعد: فلما كان حب الله سبحانه وتعالى هو أصل هذا الدين، وأصل تحقيق العبودية له عز وجل، مع الخضوع والذل له، ولما كان حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أصل متابعته والتصديق به، فإن تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله لا يحصل إلا بذلك، فكان بيان هذه المسألة ولوازمها والحذر مما يضادها من أوجب الواجبات، وذلك أن الله سبحانه وتعالى لم يكتف من عباده بأن يعبدوه حتى يتبرءوا من كل ما يعبد من دونه، قال عز وجل: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:256]، وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف:26 - 28]، وقال ابن عباس رضي الله عنه وغير واحد في تفسير هذه الكلمة الباقية: هي كلمة (لا إله إلا الله)، جعلها الله كلمة باقية في نسل إبراهيم، فلا يزال في نسله من يقولها، فجعل هذا الموالاة لله والبراءة مما يعبد من دونه هي كلمة: (لا إله إلا الله).
فلا يصح إسلام وإيمان عبد حتى يشهد أن لا إله إلا الله، ويشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا نعلم أن بغض من يعبد غير الله سبحانه وتعالى هو أصل من أصول الإيمان، ولا يتم إيمان العبد حتى يحصل ذلك.