إذاً: فالإنسان الذي يستغني بالله عز وجل بافتقاره إليه دون من سواه، فإن الله عز وجل يغنيه عن كل ما سواه، ويجعل نفسه كريمة، فيها الجود وفيها السماحة، وفيها سهولة التعامل، وهكذا تضمحل الأمراض الأخرى من الحسد والتباغض، ومن التنافس على الدنيا، ومن حب الشهرة والرئاسة على الخلق، ومن حب الملك والسلطان، وما ترون في العالم كله من السعي إلى الدمار والهلاك والحرب والتنافس، وسفك الدماء وانتهاك الحرمات إلا من أجل ذلك.
كذلك من افتقر إلى الخلق أفقره الله عز وجل؛ لأن النفس خلقت فقيرة إلى الله وحده، تميل إلى أن تذل وتخضع لله وحده، فمن وجد فقره إلى الله عز وجل كان أسعد السعداء، ومن ظن أنه سيستغني بشيء من المخلوقات مالاً كان أو جاهاً أو سلطاناً أو وجاهة عند الخلق، فإنه لا يزال في فقر، ولا يزال في ضنك وضيق؛ لأنه لم يخلص لله عز وجل، فالقلوب إذا سلمت وأخلصت لله عز وجل استغنت به عما سواه، وتذللت له وانكسرت بين يديه سبحانه.
ومن أعظم أسباب حب الله سبحانه وتعالى للعبد هو انكساره بين يدي ربه، وأن يرى نعمه عليه ويرى عجزه وضعفه، وبذلك ينال درجة المحبوبية، وما العبودية إلا حب وانكسار وذل، بذلك يرتفع الإنسان ويعلو شأنه، وبذلك يكون قد حقق التوحيد وأخلص لله، ولم يشرك به شيئاً، فيستحق التمكين، كما قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:55].
فهذه العبودية الكاملة لله عز وجل لا تحصل إلا بالانكسار والذل والخضوع لله عز وجل، ولا يحصل ذلك مع العجب والكبر والرياء، وطلب مدح الناس أو الخوف من ذمهم.
اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين.
اللهم ارزقنا الإخلاص في أعمالنا كلها.
اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئاً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اليهود والنصارى والمنافقين وسائر الكفرة والملحدين أصحاب الضلالة ودعاة السوء.
اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين! اللهم انصر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم انصر المسلمين في فلسطين، اللهم انصر المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم انصر المسلمين في بورما، اللهم نجِّ المستضعفين من المؤمنين والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فدمره تدميراً.
اللهم اجعل بأس الظالمين عليهم وكف بأسهم عن المسلمين فأنت أشد بأساً وأشد تنكيلاً.
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.