ثم قال تعالى عن إخوة يوسف: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف:77] وهذا كذب عليه، وهم كذابون في هذه القضية، فسيدنا يوسف لم يسرق قبل ذلك، وفي الأخبار الإسرائيلية قالوا: إنه سرق صنماً لجده أبي أمه فكسره وهو صغير، وقالوا: اتهمته عمته أخت إسحاق -وقد كانت تحبه حباً عظيماً- بسرقة منطقة إسحاق حتى تأخذه لديها، وكانت تحتضنه ولا تريد أن يرجع إلى يعقوب، وهذان الاحتمالان ضعيفان؛ لأنه لا يجوز أن نتهم صهر سيدنا يعقوب بأنه كان يعبد الأصنام.
وأيضاً: فإن عمته بنت نبي وأخت نبي وعمة نبي، فلا يمكن أن نتهمها بالكذب، فتقول: إن يوسف هو الذي سرق المنطقة؛ لكي تأخذه من أبيه، وقد كان في شريعتهم: أن من سرق شيئاً دفع إلى المسروق منه، فقالوا: كانت تريد أن تأخذ يوسف لتحتضنه، فحيلة منها أتت بمنطقة إسحاق التي عندها فلفتها على وسطه لكي تأخذه، ففتشوا من الذي أخذها فوجدوها على يوسف فأخذته إلى أن ماتت.
وهذه الأخبار الإسرائيلية هي أولى بالرد من القبول؛ لأن هذه تهمة لابنة نبي وأخت نبي وعمة نبي، فلا يجوز ذلك عليها، والصواب: أنهم كذبوا في اتهامه بالسرقة كما كذبوا من قبل في قولهم: {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف:17 - 18]، وبسبب الحقد العظيم الذي في قلوبهم كذبوا عليه بعد سنين كثيرة، وما تخلصوا من الحقد إلا لما انكسروا، وأول كلمة ندم بدأت تظهر منهم هي قول كبيرهم: {وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ} [يوسف:80] وهذا هو أول شعور بالتفريط بعد سنين كثيرة، لكن إلى اللحظة الأخيرة كان لا يزال عندهم حقد على يوسف، وتشفوا بأخيهم الثاني، وحتى لو كان فعلاً قد حصل هذا من يوسف فما كان ينبغي لهم أن يظهروا هذا الأمر لعزيز مصر، وهو رجل غريب أجنبي، وكأنهم أرادوا بقولهم ذلك: أن السرقة عريقة فينا، وبعد هذا قالوا: ((فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ)) وهذا شيء عجيب جداً!! فالحقد يعمل في الإنسان أشياء سيئة جداً، فكيف يقولون: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف:77]؟! هذا هو الحقد الدفين.