قال عز وجل: ((قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا)) إذاً فقد تكون هناك فترة بين الدعاء وبين تحققه، وبين ما قدره الله عز وجل من تسلط الكفرة على المسلمين وبين إهلاك الظالمين والمجرمين، وهذه الفترة من الزمن لابد فيها من أداء الواجبات، وأول هذه الواجبات في هذا المقام: الاستقامة، فقد أمر الله عز وجل بها أنبياءه ورسله وعباده المؤمنين، قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا} [هود:112].
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمن سأله: (قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك؟ فقال: قل آمنت بالله، ثم استقم).
وذلك أن الفتن قد تجعل العبد بسبب ضغطها وشدتها وآلامها، يبحث عن طريق آخر غير الطريق الذي بدأ منه، ويبحث عن سبيل للتخلص من متاعب هذه الحياة، وذلك بموافقة أهلها ممن يريد إبعاده عن سبيل الله عز وجل ولو في بعض الأمر، فكان لابد هنا من الاستقامة.
والاستقامة: أن يبقى الإنسان على ما أعلنه من معاني الإيمان -وذلك أصل الاستقامة- أن يثبت على حقائق الإيمان، وأن يوحد الله سبحانه وتعالى.
ثم الاستقامة على الأمر والنهي تكون بامتثال أمر الله، واجتناب نهيه سبحانه وتعالى، والاستقامة على طريق الآخرة تكون بتعظيم الرغبة فيما عند الله، والزهد في الدنيا، والرهبة مما عند الله سبحانه وتعالى.
والاستقامة هي التي يقدر الله عز وجل بسببها ثبات الطائفة المؤمنة التي يهيئها سبحانه وتعالى للمنازل العالية عنده في الدنيا والآخرة، ويهيئها الله سبحانه وتعالى لأن تكون خليفة الأرض، فيمكن الله عز وجل لهم دينهم الذي ارتضى لهم.
والاستقامة أمر ضروري للمؤمن في جميع أوقات حياته، فلا بد له أن يظل مستقيماً على طريق الله الذي يوصله إليه سبحانه وتعالى، ولابد لتحقيق هذه الاستقامة من علم، فعلى الداعي إلى الله والمؤمنين عموماً أن يكونوا على علم بشرع الله سبحانه وتعالى؛ حتى لا يحرفوا ولا يبدلوا، وإن كان الداعي قد لا يستطيع مع نفسه أن ينحرف عن الدين صراحة، لكنه قد يؤول ويحرف ما أنزل الله عز وجل موافقة للناس.
إذاً: لابد من العلم؛ حتى لا يقع ذلك التبديل والتحريف والتأويل.