فأنت تجد المواقف في سور مختلفة أجزاءً مختلفة من القصة في سياق عجيب، وتجتمع الآيات والسور كلها فإذا بالصورة كاملة أمامك لحظة بلحظة، وإن كان في موضع يذكر ما لم يذكر في الموضع الآخر.
((قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ)) أي: ما جئتم به هو السحر، ((إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ)) أي: يبطل الله كل سحر وباطل، وهذا أمر الله يثبت به أهل الإيمان، فكلما رأوا الباطل منتفشاً منتشراً تيقنوا بأن الله هو الذي يتولى إبطاله، ((إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ))؛ لأنه فساد، والله لا يصلح عمل المفسدين.
وهناك قضايا كلية ليست مرتبطة بزمان ولا مكان ولا أشخاص، منها: أن كل مفسد لابد أن يحبط الله عمله، ولا يصلحه أبداً، قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)).
فعلى أهل الإيمان أن يطمئنوا ويستبشروا لكل هذه المؤشرات من كلام موسى عليه السلام، فإن الله لا يصلح عمل المفسدين، وكل مفسد في الأرض لابد أن ينتهي مكرهاً إلى بوار، قال تعالى: ((وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ))، وكلما كانت معنا كلمات الله المقروءة المسموعة فهي أعظم أثراً من المحسوسة، وهي أشمل وأنفع للعباد من الآيات والمعجزات الحسية، فكلما كانت معنا كلمات الله كان انتصار الحق أقرب بإذن الله، كما أن الله يحق الحق بكلماته الكونية، قال عز وجل: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] فيضمحل الباطل: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81]، {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}، فالمجرمون يكرهون الحق، ويكرهون ظهوره، ويعدون العدد لإبطاله ومحقه، لكن الله عز وجل مظهر دينه ولو كرهوا ظهور هذا الدين، فهذه كلها بشارات لأهل الإسلام، وقد وقع ذلك في الأنبياء السابقين، ووقع عبر التاريخ في مواطن مختلفة، ويقع بإذن الله في المستقبل، فيظهر الله دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين بكلماته، وما أمره سبحانه إلا واحدة كلمح بالبصر، كما قال عز وجل: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} [القمر:50] أي: مرة واحدة، {كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50]، لا تحتاج إلى تثنية، فلا يقول الله: كن مثلاً للأمر، كما يحتاج العبد أن يكرر الأمر لينفذ أو يكرر التجربة لتتم، بل أمر الله مرة واحدة، إذا أمر نفذ، فبأمره تعالى خرجت أرواح، واستقرت أرواح أخرى، علت أقوام، وانخفضت أقوام أخرى، بطلت كلمات، وبقيت كلمات أخرى وهكذا بكلمة (كن) فيكون سبحانه وبحمده.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.
اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين.
اللهم نج المستضعفين من المسلمين في كل مكان.
اللهم فرج كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، وارفع الظلم عن المظلومين.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.