من أعظم أسباب شفاء القلوب: القرآن، وذلك أن أهل الإيمان تقع لهم في مسيرهم إلى الله سبحانه وتعالى أنواع من العقبات، وأنواع من المشكلات، وأنواع من الابتلاءات، والقرآن شفاء لما في الصدور، وهو قرة العين لمن تدبره، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن يقولوا في الدعاء: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي)، وهذا لا يحصل للعبد إلا بتدبر القرآن والوقوف معه.
ومن أعظم أسباب زوال الهم عن المؤمن وحصول الفرح له تلاوته لآيات الله التي تحكي انتصار الأنبياء، وانتصار دعوة الحق، وهلاك دعوة الباطل، حيث إن الباطل في عهد موسى بقي مدة طويلة، فقد بقي فرعون سنين طويلة وهو يصد عن سبيل الله، ويبارز الله بالمحاربة، ولكن أين فرعون الآن؟ وكيف كانت نهايته بعد طول المدة؟ فقد صار حديثاً يذكر، وجعل الله عز وجل فرعون وهامان وجنودهما وسائر الأمم المكذبة أحاديث، وبقي الحق الذي جاء به الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأشرقت أنوار قلوبهم على البشرية بفضل الله عز وجل عبر العصور، فيصل من نور هذه القلوب بما أفاض الله عليها لكل إنسان آمن بهم على قدر إيمانه، وعلى قدر معرفته بكتاب الله، فيزول عنه الغم والهم، وحين يعيش الإنسان مع القرآن يعيش كأنه يحضر تلك اللحظات التي انتصر فيها الحق، والتي زهق فيها الباطل وحزبه وانقلبوا فيها صاغرين، وآلوا إلى المآل الذي قدره الله لهم خاسئين، وصاروا أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، وذلك وحده سبب مفرح لقلب المؤمن، وهذا من فضل الله ورحمته، كما قال الله عز وجل: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]، وحين تستحضر قصص أنبياء الله، وتستحضر ظهورهم وانتصارهم وهلاك الباطل، ترى أن مدة بقاء الظالمين وجيزة توشك أن تنتهي كما انتهى فرعون وجنده، وكما انتهى كل ظالم قبل ذلك، وبقي الحق بفضل الله، وخصوصاً إذا تأملت طريقة القرآن في بيان تلك اللحظات بمساحة واسعة في القرآن العظيم، فلحظات انتصار الحق تبجل وتفخم وتذكر بالتفصيل التام بفضل الله عز وجل؛ لتستحضر تلك اللحظات وكأنها تشهدها، وحين تسمع مواعظ القرآن تنتفع أعظم الانتفاع بها، والله المستعان.
وقصة موسى صلى الله عليه وسلم هي أكثر قصة ذكرت في القرآن على الإطلاق، فقد كررت في مواضع مختلفة، وفي أجزاء متعددة وسور مختلفة، وفي كل منها مواقف مختلفة يذكر الله عز وجل فيها خلجات النفوس، والخواطر والأحاسيس المختلفة، والتقلبات التي تتقلب فيها القلوب بأسلوب لا نظير له على الإطلاق، وبتكرار عجيب الشأن يجعل العبد ينتبه إلى أدق التفاصيل، ويجعله يتدبر حكمة الله سبحانه وتعالى، وإذا تدبر الإنسان القرآن وجده شفاءً لما في الصدور، وسبباً لفرحها وذهاب غمومها وأحزانها، وسبباً للصبر والثبات، وللاتعاظ والتذكر، فزيادة الإيمان تكون بحب الأنبياء واتباعهم صلوات وسلامه عليهم أجمعين.
إن الله سبحانه وتعالى قد جمع في قلب محمد صلى الله عليه وسلم أنواع الأعمال والصفات الرائعة الجميلة، التي هي في الحقيقة خلاصة أخلاق الأنبياء جميعاً، وأفاض سبحانه وتعالى على قلب محمد صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب العظيم وهذا النور؛ لكي يستضيء به أهل الإسلام، ويعرفوا نعمة ربهم بهذا القرآن العظيم الذي جعله الله سبحانه وتعالى المعجزة الكبرى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وهو معجزة باقية خالدة لكل من تدبرها وتأملها، فلا يوجد كتاب في الوجود مثله بفضل الله سبحانه وتعالى.