قال ابن كثير: ورواه الطبراني عن جرير بن عبد الله البجلي وابن جرير وابن مردويه من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يأتي الرجل مولاه فيسأله من فضل ماله عنده فيمنعه إياه إلا دعي له يوم القيامة شجاع يتلمظ فضله الذي منعه) ومعنى: (لا يأتي الرجل مولاه) أي: قريبه، أو كل من كان قريباً له.
(فيسأله من فضل ماله عنده)، وهذا من أقوى ما يحتج به على وجوب النفقة على الأقارب.
قوله: (شجاع يتلمظ) يعني: يتغيظ عليه ويعد فمه للأكل.
ما هو هذا الشجاع؟ هذا الشجاع هو فضله الذي منع، هذا لفظ ابن جرير.
وروى ابن جرير عن أبي قزعة عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل جعله الله عنده فيبخل به عليه إلا أخرج له من جهنم شجاع يتلمظ حتى يطوقه) نعوذ بالله.
ثم روى حديثاً ضعيف السند لكنه شاهد لما قبله، وفيه: عن ابن عباس قال: نزلت في أهل الكتاب الذين بخلوا بما في أيديهم من الكتب المنزلة أن يبينوها: ((وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ))، فالتفسير الثاني للبخل هو: البخل المعنوي، وهذا أولى بالذم؛ لأن منع المال يؤدي إلى ضياع دنيا الناس وافتقارهم وحاجتهم، أما البخل المعنوي وذلك بمنع الحق، ومنع آيات الله من البيان فإنه يترتب عليه ضياع آخرة الناس، وضياع دينهم وتحريفه، الذي يؤدي إلى شقائهم، وليس فقط في جيل بل في أجيال، فلا تزال أمم كثيرة على الضلال والشرك بسبب أن آباءهم وأجدادهم حين جاءهم الحق فكتموه ولم يؤمنوا به، فورثوا الكفر لأجيال تلو أجيال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال: والصحيح الأول، وإن دخل البخل المعنوي في معناه، وقد يقال: إن هذا أولى بالدخول، وهذا الذي علموه من الحق هو شر لهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والقرآن حجة لك أو عليك)، فالذين آتاهم الله الكتاب فلم يقوموا به، والذين آتاهم الله العلم فلم يعملوا به، ولم يقولوا الحق للناس، بل كتموه وبخلوا به لكي ينالوا حظاً من الدنيا فسينالهم ما أخبر الله عز وجل من العقاب.
قال سبحانه: ((وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)) قال ابن كثير: أي فأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فإن الأمور كلها مرجعها إلى الله عز وجل، فقدموا من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم.
((وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) أي: بنياتكم وضمائركم.