ذكر الله تعالى في الآيات التي من سورة الحشر لمن يكون الفيء، والفيء: هو المال المأخوذ من الكفار بغير قتال، وسمي فيئاً؛ لأن أصل هذا المال خلقه الله عز وجل ليستعين به الناس على العبودية لله سبحانه وتعالى، فلما استغله الكفار في معصية الله والكفر به، والشرك به، أخذه الله عز وجل منهم ورده إلى المسلمين وأفاءه عليهم، فإن المال مال الله يعطيه سبحانه وتعالى لمن يشاء، وهو يبتلي العباد بهذا المال وبغيره من أمور الدنيا ليمتحنهم فيها، فنزع الله عز وجل ذلك المال من الكفار وأفاءه على المسلمين، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لينفقه في الوجوه التي أمره عز وجل أن ينفقه فيها، فكانت هذه الأوصاف التي ذكر الله عز وجل في المهاجرين والأنصار والذين جاءوا من بعدهم مبينة لمن يعيد الله سبحانه وتعالى هذا المال إليه، لمن يفيء الله عز وجل الأمر إليه، ولذلك نرى فيها تبشيراً لمن شابههم في صفتهم، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن تشبه بقوم فهو منهم) نرى فيها تبشيراً بأن يفيء الله سبحانه وتعالى على من تشبه بهؤلاء الصحابة مثل ما أفاء عليهم، وأن ينصرهم كما نصرهم، وأن يؤيد من كان على طريقتهم كما أيدهم، وإن كنا بالتأكيد نجزم بأن أحداً لا يلحق بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار فهم سادة الأمة، وهم أساس البناء، والذين تحملوا فترات الإحراق، والتي كانوا فيها يمثلون الإسلام على وجه الأرض كلها، كان أحدهم ربما يكون سبع الإسلام، أو ثمنه مدة من الزمن؛ فكان الواحد منهم يمثل جزءاً كبيراً من الدين رضي الله تعالى عنهم.
نحن نعلم فضل الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم، ونعلم فضل حبهم ومتابعتهم، وأن أفضلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة وهم: طلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ثم أهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، وكذلك يشهدون بالفضل لأهل بيعة العقبة رضي الله تعالى عنهم، ويعرفون فضل {مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد:10]، وأصح الأقوال في هذا الفتح: أنه صلح الحديبية، فمن أسلم وهاجر وجاهد ونصر الدين قبل صلح الحديبية أعظم درجة من الذي أسلم وهاجر ونصر الدين بعد صلح الحديبية الذي سماه الله فتحاً.
ويعتقد أهل السنة: أن الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ويعتقدون ما قال النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة إن شاء الله).
وهم يعرفون فضل المهاجرين، ويقدمونهم على الأنصار كما قدمهم ربهم سبحانه وتعالى في كل المواطن التي ذكر فيها المهاجرين والأنصار، فهم أساس البناء الذي تحمل فترات الشدة، التي كان الإسلام فيها مضطهداً في الأرض كلها، فرضي الله تعالى عنهم.