أهمية تفرغ بعض المسلمين للتفقه في الدين

النوع الثاني من العلم المطلوب، وهو الذي لا يحصل النوع الأول لكل واحد من المسلمين والمسلمات إلا بوجوده، وهو المذكور في قوله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122].

يعني: فرض عين على كل طائفة، أو كل جماعة من المسلمين في مدينة أو قرية أو حصن أن ينتدبوا منهم من يطلب جميع أحكام الديانة من أولها إلى آخرها، ويتعلم القرآن كله، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث الأحكام وغيرها، ثم يرجع ليعلمهم أمور دينهم، فإن لم يجدوا في محلتهم من يفقههم في دينهم ففرض عليهم الرحيل إلى حيث يجدون العلماء المجتهدين المفتين ولو بعدت ديارهم، كما يقول ابن حزم: ولو كانوا بالصين.

ومعلوم أن الناس لا يرحلون كلهم لطلب العلم؛ لأنهم مشغولون بمكاسبهم وأرزاقهم، ولذا فلابد أن يوجد في كل مدينة أكثر من عالم؛ لأن المدينة يسكنها ملايين من الناس فلا يكفيهم عالم واحد بلا شك، بل أطرافها يصعب الانتقال بينها.

والنوع الأول من العلم لا يمكن أن يوجد لدى الناس إلا إذا وجد هذا النوع الثاني، فإن الرجل الذي يريد أن يطلق فلا بد أن يتعلم فقه الطلاق، لكن كيف يتعلم فقه الطلاق إذا لم يجد عالماً في بلده يسأله؟! وهذا الشخص لا يلزمه أن يكون متفرغاً تماماً لدراسة كل أنواع العلم ليدرك كل المسائل بالدليل الراجح؛ لأن هذا أمر يعسر على كثير من الناس، ولا يمكن أن يكون واجباً على الجميع، لكن الواجب أن يسأل أهل العلم إن كان لا يعلم.

إذاً: وجود أهل العلم واجب وهو فرض على الكفاية، فالمثال الذي ذكرناه سابقاً: هو مثال قطع اليمنى من اليسرى في السرقة هذا من علوم فرض الكفاية بلا شك، إذا وجب على الناس أن يقطعوا يد سارق وجب عليهم أن يعلموا تفاصيل ذلك، ولكن هذا الأمر إنما يحصل مع انتشار العلم، وقبض العلماء هو شر؛ لأنه لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه، ومعنى ذلك أن قبض العلماء وقلة العلم من علامات وأشراط الساعة، وفي ذلك دلالة على أن الدنيا يصيبها الخراب بقلة العلم والعلماء، وقلة العلم ليس حاصلاً في عامة المسلمين فقط، بل في كثير ممن يعتقدون أنهم الملتزمون بالدين وأنهم أهل الدعوة إليه ونحو ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015