Q لقد أثار موقف حركة طالبان بتكسير التماثيل جدلاً وفتاوى كثيرة تجعل الحليم حيران، فما هو الصواب؟
صلى الله عليه وسلم لا شك أن الحكم الشرعي المجرد هو وجوب طمس التماثيل، سواء كانت تعبد أو لا تعبد، فإن علياً رضي الله عنه كما في الحديث الذي رواه مسلم قال لأمير سرية أرسله: (ألا أرسلك على ما أرسلني به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تجد قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طمسته)، وفي رواية: (ولا صورة إلا طمستها)، وهذا أيضاً لم يخصص منه بما يعبد أو لا يعبد، وقد امتنع جبريل عليه الصلاة والسلام من الدخول إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان في البيت تمثال وكان تحت السرير جرو للحسن أو الحسين، فقال: (إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب أو صورة فمر بالكلب فليخرج، ومر بالتمثال فليقطع رأسه يصير كهيئة الشجرة)، وعندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم ووجد عائشة قد سترت سهوة لها بقرام فيه تصاوير فقال: (يا عائشة! إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم، فأمر صلى الله عليه وسلم بقطع هذه النمرقة، وقطع الستارة وجعلها وسادتين توطآن)، وجعلها ممتهنة.
فهذا يدلنا على عدم جواز اتخاذ الصور ووجوب إزالتها سواء كانت تعبد أو لا تعبد، والنبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ووجد فيها حمامة من عيدان، ووجد فيها صورة إسماعيل وإبراهيم يستقسمان بالأزلام، وكانت صورتهم الحقيقية فعلاً؛ لأنه ذكر ذلك فقال: (قاتلهم الله، والله! لقد علموا ما استقسما بها قط)، وأمر بمحو الصور صلى الله عليه وسلم، مع أنها صور أنبياء وهذه كانت أشياء تاريخية عظيمة ولو كانت طبق الصورة طبق الوجه مثلاً لمحاها صلى الله عليه وسلم، وكسر صلى الله عليه وسلم حمامة العيدان بيده، (وعندما كان صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت في فتح مكة كان يشير للأوثان وهي ثلاثمائة وستون صنماً حول الكعبة ويقرأ: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81]، والأصنام تتساقط على وجوهها).
وأرسل من يكسر في القبائل الأصنام، وقد كانت بعضها أصناماً تاريخية جداً وتراثاً إنسانياً قديماً لكنها تخلف وانحطاط، وتراث البهيمية بل أسوأ من البهيمية كما قال تعالى: {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]، وكان التراث من عهد قوم نوح فهو أقدم من بوذا ومن غيره، فكان هناك ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر في قبائل العرب، وكان الذي أوحى بالتنقيب عنها الشيطان إلى عمرو بن لحي الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم يجر قصبه في النار، وذلك أنه هو الذي أوحى إليه الشيطان أن يحفر في مكان كذا وكذا ليجد تماثيل معدة، فأخرجها وأمر الناس بعبادتها وفرقها في قبائل العرب، وكسرت كل هذه الأصنام بمجيء الإسلام، ولم يبق منها بحمد الله تبارك وتعالى شيء.
ولذلك نجد بالفعل أن الأمم كلها تماثيل آلهتها في الجاهلية موجودة في الغالب، وأما أمة العرب فلا يعرف وجود تماثيل هذه الآلهة الجاهلية -والعياذ بالله- رغم أنها زالت عبادتها بحمد الله بمجيء الإسلام، والذين يقولون: كان هذا في أول الإسلام لخوف العبادة، نقول لهم: أتظنون أن التوحيد كان أقوى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو معكم؟! أنتم تظنون على كلامكم الفاسد هذا أن التوحيد الذي معكم أقوى من التوحيد أيام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، وأي اعتقاد أسخف من هذا؟! وأي بناء باطل للفتاوى أسخف من هذا؟! وفي الحقيقة أنها الآن تعبد حتى تماثيل الفراعنة فهناك من يأتي من المشارق والمغارب، وهناك من يأتي من الغرب خصوصاً ويعبد آلهة الفراعنة في الهرم الأكبر، وتوفر لهم كل الوسائل المهيئة بذلك.
والمقصود أن الحكم الشرعي في كسر الأصنام معلوم ولا ينازع في ذلك عالم، ومسألة أنها تعبد أو لا تعبد وأنها تراث إنساني هذا كلام لا يصح أن يعتبر، وما ذكر من ذلك مما يصح اعتباره هو قضية أذية المسلمين وقضية المصلحة والمفسدة، وهذا جدير بالاعتبار وجدير بالنظر، ولذلك نقول: إن الحكم هكذا، وأما الفتوى زماناً ومكاناً متى يتم؟ وأين يتم تكسير هذه الأوثان؟ فعلى حسب المصالح والمفاسد، وينبغي أن تقدر من قبل علماء المسلمين في المحلة التي هم فيها، وإذا كان يتعرض المسلمون في غيرها لأذى فينبغي أن ينظر في هذا الأمر أيضاً، وأن يقدرها علماء المسلمين المعتبرين من أهل السنة والجماعة لا الذين يقولون على الله ما لا يعلمون، ويقولون مثل هذه الخرافات والخزعبلات المذكورة، لذلك نقول: القضية قضية المصلحة والمفسدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضية والأصنام مبسوطة حول الكعبة، ولكن مصلحة الوفاء بالعهد كانت مرجحة على مصلحة كسر الأصنام، وكذلك إبراهيم عليه الصلاة والسلام لمصلحة إقامة الحجة والبينة على قومه ترك الصنم الكبير مع أنه كسر الأصنام الأخرى، وهذا دليل على أن المصالح والمفاسد معتبرة في هذا الباب، والله أعلى وأعلم.
فلا شك أن حركة طالبان لها مواقف إيجابية كثيرة في إقامة كثير من الشعائر الدينية وإن كنا نحن لا نعلم حقيقة التفاصيل أكثر مما ينشر في الجرائد عنهم، وينبغي حتى يتم الحكم عليهم النظر في واقع الحال هناك أكثر، ونحن لا نحيط به علماً حالياً إلا ما يأتينا من أخبار، وبلا شك أن فيها الخير الكثير في إقامة الشريعة وإقامة الدين، والله أعلى وأعلم.