وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (إن الله عز وجل لم يجعل لقاتل المؤمن عمداً من توبة) يعني: بذلك أن تلغي عليه جميع التبعات، وتلغي عنه كل الحقوق، فإن قاتل النفس بغير حق عليه حق لله، وعليه حق للقتيل، وعليه حق لأولياء القتيل، وكل حق لابد أن يؤدى، ولا شك أن التوبة كما دل عليه هذا الحديث تجب الحق الذي بينه وبين الله، وأما أولياء القتيل فحقهم في شرعنا أن يسلم إليهم نفسه ويمكنهم، فإما أن يقتصوا، وإما أن يقبلوا الدية، وإما أن يعفو، وأما حق القتيل نفسه فهذا يجب أن يقتص منه يوم القيامة.
وجعل الله سبحانه وتعالى حقوق العباد لابد فيها من أن يقتص من أهلها أو ممن أتى عليها يوم القيامة، إلا أن يشاء الله سبحانه وتعالى أن يعفو عن هذا القاتل فيرضي القتيل من عنده حتى يعفو عنه في الآخرة، وربما عفا عنه أهل القتيل في الدنيا فتظل توبة القاتل معلقة بما شاء الله سبحانه وتعالى أن يفعله.
وحقوق العباد أعظم الحقوق؛ ولذلك فتوبة الظالم، وتوبة المغتصب، وتوبة آخذ المال بغير حق، وتوبة الضارب وسافك الدم كل هؤلاء لا تتم توبتهم إلا بمسامحة المظلوم؛ لأن حقوق العباد مبناها على المشاحة ولابد أن تؤدى الحقوق إلى أهلها قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى إنه ليقاد للشاة القرناء من الشاة الجلحاء)، فإذا كان بين البهائم قصاص فلابد أن يكون هناك بين البشر كذلك إلا ما شاء الله أن يعفو المظلوم عن الظالم.