أولاً: ننظر إلى إمهال الله عز وجل لفرعون وجنده، كم أمهلهم سبحانه وتعالى مع الظلم والطغيان؟! ما أكثر ما نستعجل! نقول: قد ظلموا قد قتلوا قد سفكوا الدماء قد كفروا قد فجروا قد نافقوا فلماذا يتركهم الله؟ وأين المصائب والأيام السوداء التي تنزل عليهم؟! قد يقول كثير منا ذلك، تأمل قصة فرعون لتعلم سنة الله سبحانه وتعالى، لتعلم كيف يمهل الله عز وجل الأمم رغم طغيانها، والله إن موقف فرعون وجنوده في قتل السحرة أمر عظيم خطير جداً، أمر في منتهى الظلم، ويبقى موسى عليه السلام لا يصنع شيئاً إلا الدعوة إلى الله، فيقول الملأ السادة والكبراء من قوم فرعون يحثونه على الاستمرار في الأذى: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ} [الأعراف:127] يعني: أتتركهم؟! {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف:127]، يسمون فعل موسى فساداً في الأرض، وهم من سفك الدماء وقتل الأولاد الرضع واستحيا النساء بالظلم والعدوان لمجرد أنهم من طائفة أخرى غير الطائفة التي ينتمي إليها فرعون والعياذ بالله! ظلم بين، فساد فظيع، ولكن: (رمتني بدائها وانسلت) كما يفعل فراعنة الزمان من اليهود والأمريكان وغيرهم ممن يرمون المسلمين بأنهم الذين يفسدون في الأرض، وبأنهم أهل الباطل والإرهاب وغير ذلك، مع أنهم والله يفعلون بشعوب الأرض جميعاً أنواعاً من الإفساد لا تتصور، فضلاً عن المسلمين، لو خدش واحد منهم قامت الدنيا ولم تقعد، وأما إذا ذبح أولاد المسلمين، وقتل أطفالهم، ورملت نساؤهم، بل وانتهكت أعراض نسائهم؛ فهذا عندهم أمر عادي! يحرق مئات المسلمين في غداة واحدة والعالم كله لا يحرك ساكناً، ما المشكلة؟! بعض المسلمين احترقوا أحياءً فما عندهم إلا مجرد آهات التأسف! والحقيقة مزيد من التمكين لعباد الأبقار والعياذ بالله لكي يتمكنوا من رقاب المسلمين، سبحان الله! لكن لو تأملت هذه المواقف بالنسبة إلى ما فعله فرعون، وأن الله أمهله مدة بعد هذه الواقعة، لو كان الواحد منا في مثل ذلك الموقف سيقول: الآن ينزل به العذاب بعد أن فعل بالسحرة ما فعل، وبعد أن أعرض عن الآيات، وبعد أن أقيمت عليه الحجة من كل وجه، ومع ذلك فهو مستمر على المعاندة، بل ومستمر على زيادة الأذى، وقومه لا يتعظون، قوم في منتهى العجب! قوم مستخفون فهم الذين يحثونه، له أعوان ومرغبون في مزيد من سفك الدماء، {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} [الأعراف:127]، فما هو الفساد الذي يقوم به موسى وقومه؟! إنه الدعوة إلى الله عز وجل، فهم يقولون: لابد أن توقفهم عند حدهم، لكن فرعون واضح جداً أنه لا يقدر على مواجهة المسلمين، لكنه اتهمهم بأنه يوجد انقلاب ومكر مكروه في المدينة، وزعيم الانقلاب موسى عليه السلام، {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} [طه:71]، وكان المفروض أو أول من ينزل به البأس زعيم الانقلاب، فكان هو أول من يقتل ويصلب، لكنه كان يخاف من موسى فعلاً بشيء قذفه الله في قلبه وليس من عند أحد، ولا بالأسباب، ولذلك تجده يتحاشى موسى دائماً قالوا: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ} [الأعراف:127] {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ} [الأعراف:127]، لماذا لا تبدأ بموسى أولاً؟ هم يقولون له: موسى، قال لهم: {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف:127]، فأمر بقتل الأبناء، وهو لا يقدر إلا على هؤلاء، وكان لا يقدر على موسى؛ لأن الله عصمه؛ لأن الله كف يده سبحانه وتعالى، ولابد أن تلحظ أن موسى اعتصم بالله قال: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} [غافر:27]، هو قال: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} [غافر:26]، هم يقولون له: اقتله! لابد أن تعمل لهم شيئاً، {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} [غافر:26]، ومن كان يمنعه؟! إنه الله عز وجل؛ لأنه استجار بالله، فلتكن استجارتنا بالله، اللهم إنا نعوذ بك، يا ربنا ورب كل شيء {مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} [غافر:27].
قال سبحانه وتعالى عن فرعون: {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} [الأعراف:127]، هل عند المجرمين طريق آخر غير البطش؟ ليس عندهم إلا ذلك، كم استمر فرعون يقتل الأبناء ويستحيي النساء؟ استمر على الأقل أربعين سنة؛ لأن تقتيل الأبناء واستحياء النساء كان قبل ولادة موسى صلى الله عليه وسلم، وموسى بلغ أشده، ووقعت الواقعة التي جعلته يهاجر إلى مدين وبقي هناك عشر سنين، وعاد، ووقعت المحاورات مدة طويلة من الزمن، وكل ذلك وتذبيح الأولاد مستمر {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف:127]، وهذا من غرور فرعون فليس للطغاة سبيل إلا البطش والتنكيل، ولكنها وسيلة لا تفلح، يقيناً أنها لا تفلح، ولا تحسم مسائل صراع المناهج والملل والأديان مسألة سفك الدماء وقتل الأولاد واستحياء النساء للإهانة والإذلال، فهذه وسائل لا تفلح.
اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وانصرنا على عدوك وعدونا.
اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، وانصرنا على من بغى علينا.
اللهم اجعلنا لك شكارين، لك ذكارين، لك رهابين، لك مطواعين، إليك منيبين مخبتين.
اللهم تقبل توبتنا، واغفر حوبتنا، وثبت حجتنا، وأجب دعوتنا، واهد قلوبنا، وثبت ألسنتنا، واسلل سخائم صدورنا.
اللهم انصر عبادك المستضعفين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر المسلمين في فلسطين والشيشان، وفي كشمير وأفغانستان، اللهم اربط على قلوبهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، سريع الحساب، اهزمهم وانصرنا عليهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.