وصية أخرى نختم بها كلامنا: وهي أن أعظم ما يحيي القلوب هو ما أنزله الله روحاً من عنده وهو كتاب الله سبحانه وتعالى، فلا بد أن نستمد منه الحياة كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [الشورى:52 - 53] ولا أعني بذلك مجرد تصحيح اللسان وحفظ الحروف والكلمات، وإن كان ذلك هو الخطوة الأولى اللازمة، لكن لا بد له من تدبر وإمرار على القلوب قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:29] وليكن تصحيحك للحروف والكلمات وسيلة إلى تدبر قلبك لها كما قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم: (لو علمت أنك تستمع لحبرته لك تحبيراً) لزينت لك القرآن بصوتي تزييناً، فأنت إنما تريد بتصحيح الكلمات والحروف أن تتفهم القرآن أكثر؛ لأن من لا يحسن القراءة ربما يفوت عليه خير كثير من التدبر بسبب عدم إتقانه له.
وأنا أقول لكم كتجربة شخصية: إن السورة التي أبذل مجهوداً في مراجعتها ولا أحسن حفظها؛ لأني حفظتها على كبر، إذا وقفت لأصلي بها أو أتلوها أظل مشغولاً بألفاظها وحروفها فيضيع معظم التدبر، أما ما حفظته صغيراً فهو مستقر في النفس فأجد السبيل إلى التدبر أسهل وأيسر مفتوحاً بإذن الله تبارك وتعالى.
فنصيحتي إلى إخواني الشباب وأبنائي الشباب أن يستغلوا هذه الفرصة، فأنت في مرحلة التمكن من الحفظ، ولكن لا يكن همك أنهم سيقولون عليك: متقن، أو ستعطى إجازة تفتخر بها وتعلقها على الجدران، أو تعمل بها في أوقات تحتاج إلى العمل بها، لكن اجعل ذلك وسيلة إلى الغاية المقصودة؛ فإنما أنزله الله للتدبر قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:29].
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم، ونسأل الله مقلب القلوب أن يثبت قلوبنا على دينه، اللهم! يا مصرف القلوب! صرف قلوبنا على طاعتك.