ومن أدلة هذا الأمر الظاهر -وهو أن الله مالك الملك- ما قد يغفل عنه كثير من الناس، فيظنون أن الملك بيد الناس، وأنه يورثه بعضهم لبعض وسيبقون في هذا الملك ما لهم من زوال.
من أدلة ذلك: إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل، وهذا أمر به تقوم الأرض والسماء، وبه تقوم الحياة، فهل ينازع في ذلك أحد؟ وهل يستطيع أحد أن يقول: أنا الذي أؤخر الشمس اليوم حتى يتقدم شروقها أو يطول النهار أو يقصر الليل؟! فنحن نلحظ أن الظهر قد يتقدم قليلاً وكذلك العصر والمغرب والعشاء والفجر، وفي كل لحظة يولج الله الليل في النهار والعكس، فيزيد من هذا ويقصر من ذاك، ويدخل من هذا في هذا حتى يطول النهار ويقصر الليل، والعكس يكون في فصل الشتاء، حيث يقصر النهار ويطول الليل، كما قال تعالى: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [آل عمران:27].
يقول تعالى: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [آل عمران:27] وهذه آية أخرى تراها أمام عينيك كل لحظة، فهذه النباتات التي تخرج من الأرض الميتة من الذي أخرجها؟! ومن الذي أحيا هذه المادة بعد أن كانت ماء وتراباً ميتاً، فإذا بها تصبح حية منتعشة منتشرة فيأكلها البشر والبهائم فتنتقل إلى حياة أخرى؟! ومن الأدلة على عظم ملكه سبحانه: أنه يخرج الحي من الميت فيخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، وترى أمماً وشعوباً كانت على ضلال فهداها الله عز وجل، وكان أجدادهم على الكفر، فأخرج الله من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئاً، وهناك أمم أخرى كان أجدادهم قمماً في الطاعة والعبودية، وإذا بأبنائهم وذريتهم يخالفون آباءهم، ويكفرون بما كانوا عليه، ويموتون على الكفر والعياذ بالله، وكلا التفسيرين صحيح.
قال تعالى: {وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:27].