قال عز وجل: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران:22]، فليس لهم من ناصرين رغم كثرة من ينصرهم؛ وذلك لأن قوة البشر لا تساوي شيئاً في ميزان القوة في هذا الوجود، فكم تساوي من القوة المودعة في الأرض؟ وكم تساوي بالنسبة إلى القوة المودعة في البحر؟ وكم تساوي بالنسبة إلى القوة المودعة في السماء؟ وكم تساوي بالنسبة إلى قوة ملك من الملائكة؟ فإن كنا نؤمن بذلك فلندرك هذه الحقيقة اليقينية، فكيف بالنسبة إلى قوة القوي العزيز الرحيم، العزيز في انتقامه من أعدائه، الرحيم بأوليائه سبحانه وتعالى؟! فينبغي أن يكون ظاهراً لكل أحد أن قوة الكفرة والظلمة لا تساوي شيئاً بالنسبة إلى القوة المودعة في الأرض، فلو تزلزلت الأرض زلزالاً يسيراً بدرجات معدودة لدمرت ما فوقها، فكيف بما في باطنها من أهوال، ولو أمرها الله عز وجل أن تخرجها لخسفت بهؤلاء، ولو شاء لأغرقتهم البحار، أو حصدتهم السماء بأمره عز وجل؟! إن جبريل عليه السلام صاح بقوم لوط صيحة واحدة فأهلكهم عن بكرة أبيهم، وذلك بقدرة الله سبحانه وتعالى، وصاح بقوم ثمود كذلك صيحة واحدة فأهلكهم الله عز وجل، كما قال سبحانه وتعالى في قصة الذين كذبوا الرسل وقتلوا مؤمن آل ياسين {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [يس:29].
فالله سبحانه وتعالى جعل في الكون المشهود المخلوق من أنواع القوة والقدرة ما يدلنا على عجز البشر وضعفهم، فكيف يكون لهم ناصر من دون الله عز وجل إن أرادهم بسوء أو بإهلاك، ولو اجتمعوا جميعاً على تناصر بينهم فو الله لن يساووا عنده شيئاً، ولا أدنى من جناح بعوضة، فالدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، قال عز وجل: {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران:91].
ويمكن للمؤمنين بفضل الله أن يستخرجوا من أنواع القوة التي يدمر الله بها أعداءهم، وذلك بأن يستعينوا بقوة العزيز القوي الجبار، قاهر الخلق ما فوقهم وما تحتهم سبحانه وتعالى.
فإذا استعان المؤمنون بالله وأخلصوا دينهم له، دعوه عز وجل بصدق، فقد نزلزل لهم الجبال وتحرك لهم البحار والسموات والأرض، فقد آذى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قومُه فأرسل الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال يستأذنه في أن يطبق الأخشبين على أهل مكة، فلم يرد ذلك وقال: (لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يقول: لا إله إلا الله)، فالله سبحانه وتعالى جعل الكفار بلا ناصر، فلا ناصر لهم، ولا ينصر بعضهم بعضاً إذا جاء أمر الله سبحانه وتعالى.