قتل الأنبياء وحملة الدعوة الإسلامية

إن الله عز وجل بين أن الصراع بيننا وبينهم قائم؛ لأنهم يكفرون بآيات الله، ويقتلون النبيين بغير حق، وكل من قتل نبياً فقد قتله بغير حق، فهذا وصف للواقع الذي وقع منهم، وهذا أمر ذُمَّ الحاضرون عليه رغم أنه تركة أجدادهم ومن خلفهم على طريقتهم، وقد علمنا أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، فكيف يذم الله عز وجل الحاضرين على جريمة ارتكبها الآباء؟ وهو عز وجل أخبر في كتابه أنه لا يعاقب أحداً بجريمة غيره فقال: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر:18]؟

و صلى الله عليه وسلم إنما ذمهم الله عز وجل لأنهم وافقوهم على طريقتهم، حيث حرصوا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فوافقوا من قبلهم في النية والمقصد وفي السلوك والمنهج، وكذلك من يأتي بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، فهناك من يحاول قتل دينه ودعوته، فيحاول إزالة هذا الدين من على وجه الأرض، ويحاول أن يميت صوت الحق الذي بعث به النبي عليه الصلاة والسلام، ويحاول إزهاق دعوة التوحيد التي جاء بها الأنبياء، فلذلك يكون من الذين يقتلون النبيين بغير حق؛ لأنه وافقهم على طريقتهم، فكل من أراد إيقاف دعوة الحق وأراد قتل الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم يدعون إلى الله عز وجل، فهو من الذين ((يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ)) فهذه سبيلهم وطريقتهم.

ولقد ذكر ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن بني إسرائيل قتلوا جماً غفيراً من الأنبياء بكرة نهارهم ثم أقاموا سوق بقلهم في آخر النهار! فهذه عادتهم والعياذ بالله، ولقد كادوا أن يقتلوا رسولاً من أشرف رسلهم وهو هارون عليه السلام، وهو حي بين أظهرهم في حياة موسى، كما قال سبحانه وتعالى حكاية عن هارون عليه السلام: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:150]، فهذا فيمن نجوا على يديه، وأخرجهم الله به من ظلمات البلاء الذي كانوا فيه على يديه مع أخيه، ولما غاب أخوه أربعين ليلة كادوا أن يقتلوه عليه السلام مستضعفين له، فإذا كان هذا فيمن صحب الأنبياء منهم فكيف بمن أتى بعدهم؟! فهم يسيرون على النهج والطريق نفسه، والعياذ بالله وهذا الأمر لا يصلح مع أمة الإسلام بحمد الله تبارك وتعالى؛ إذ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم قائمة لا تزول بفضل الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى تقوم الساعة)، فالله عز وجل يبقي بهؤلاء القوم ما يسوءهم بفضله ورحمته سبحانه وتعالى.

وأما قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس فهي صفة ملازمة لهم كذلك، وهي تابعة لقتل الأنبياء، وذلك أن الأنبياء ما ورثوا درهماً ولا ديناراً، ولكن ورثوا العلم، فلكراهيتهم لدعوة الأنبياء أرادوا قتل من يدعو إليها، وأرادوا قتل من يأمر بالقسط من الناس، بل قتلوهم بالفعل، ولا يزال هذا الأمر يقع، ولا يزال الذين يأمرون بالقسط من الناس يتعرضون للبلاء؛ لأن الله سبحانه وتعالى يحب أن يرى صبرهم وتضحيتهم وثباتهم على دينهم، رغم ما يتعرضون له من البلاء، وهو سبحانه وتعالى قد جعل تضحية الذين يأمرون بالقسط من الناس بأنفسهم وأموالهم وكل ما لديهم سبباً لانتشار الحق، وسبباً لانتصاره كذلك، فالله سبحانه وتعالى عليم حكيم، وهو عز وجل مالك الملك، وهو الذي يدبر الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، وبيده عز وجل أن ينزع أرواح هؤلاء الذين يقتلون النبيين بغير حق، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، وأن يوقف نبض قلوبهم، وأن يجفف الدم في عروقهم، وأن يزلزل الأرض من تحت أقدامهم، وأن يرسل عليهم حاصباً من السماء، هو قادر سبحانه على ذلك كله، وقادر على أن ينزع ما أعطاهم من الملك، وهو الذي يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، وتلحظ هذا في كل يوم ولحظة من اللحظات، ولا ينازع في ذلك أحد، وهو أمر مشهود محسوس؛ ومع كل ذلك أمكنهم سبحانه وتعالى وأقدرهم على أن يقتلوا أنبياءه ورسله، وهو سبحانه وتعالى ينتصر لأوليائه، ويغضب على من آذاهم، فكيف بمن قتل نبياً؟! أو رسولاً؟! وكيف بمن قتل أولياءهم وأتباعهم الذين يأمرون بالقسط من الناس؟! فالله سبحانه العليم الحكيم الحليم، قضى ذلك وقدره؛ ليرى ما يحب من عباده المؤمنين من ثباتهم، ومن توريثهم الحق جيلاً بعد جيل، وطائفة بعد طائفة رغم التضحيات، وليظهر قدرته وقوته، وأنه سبحانه وتعالى ناصرٌ دينه وأولياءه وإن قتل من قتل من الأنبياء والرسل والذين يأمرون بالقسط من الناس.

والله سبحانه وتعالى لم يجعل دعوة الحق التي أنزلها في كتبه وعلى ألسنة رسله مرتبطة بأشخاص، وإنما هي دعوة مستمرة بفضل الله سبحانه وتعالى، وليست مرتبطة بموازين المادة على ظهر هذه الأرض، فموازين القوى الظاهرة لا ترتبط بها أبداً، وإنما هي حبل موصول كما قال عز وجل: {واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]، فالوحي المنزل حبل موصول طرفه بيد البشر ونهايته توصل إلى الله عز وجل، فمن استمسك به واعتصم نجا، ووصل إلى مرضاة ربه، ودخل الجنان بفضل الله سبحانه وتعالى، ومن تركه وقع في الهاوية والعياذ بالله! وهذا الحبل الواصل بين السماء والأرض أراد الله أن يمتحن به عباده في التمسك به والثبات عليه، فقدر ما قدر من وجود هؤلاء الأعداء {الَّذِينَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ} [آل عمران:21]، وهو سبحانه يري الناس آياته، ومنها تمكن الظالمين ومسارعتهم في الكفر، وكأن الأمور بأيديهم، ثم بعد ذلك يحقق الله عز وجل وعده، كما قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015