والله سبحانه وتعالى بين لأوليائه وأتباع أنبيائه على ألسنة الأنبياء حقيقة أعدائهم وصفاتهم، فجلاهم سبحانه وتعالى وكشف ما في بواطنهم، من إرادتهم العلو والفساد في الأرض، وإرادتهم إطفاء نور الله سبحانه وتعالى، فقال: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:32 - 33].
ويملي سبحانه وتعالى لهم؛ وذلك لمتانة كيده، ولأنه سبحانه وتعالى خير الماكرين، قال عز وجل: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:182 - 183].
وقال سبحانه وتعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:50].
والله سبحانه وتعالى يكيد بأعدائه الكافرين، كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق:15 - 17].
وبين سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين حقيقة الصراع الذي يجري بينهم وبين عدوهم، خاصة من تستمر عداوتهم إلى قبيل قيام الساعة، وهم كفرة أهل الكتاب، كما بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شأن الملاحم الكبرى أنه: (قبيل الدجال تقع ملحمتهم مع الروم، مع كفار النصارى الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويغدرون حتى يأتون تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً، وينتصر عليهم المسلمون بفضل الله عز وجل بأرض الشام)، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم أمر الدجال، وذكر صلى الله عليه وسلم الملحمة الكبرى مع اليهود بعد ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يقتتل المسلمون واليهود فيقتل المسلمون اليهود حتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود).
ولقد بين صلى الله عليه وسلم أيضاً أن الدجال يتبعه اليهود، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة).
فدلت هذه الأدلة على بقاء هذا الصراع إلى الأشراط الكبرى قبيل القيامة، فهذه مسألة عظيمة الأهمية في حياة المسلمين، فلابد من أن يعوا أن الصراع لن ينتهي وإن تفاوتت القوى في المراحل المختلفة والأزمنة والعصور المتفاوتة، فإن الله عز وجل يداول الأيام بين الناس امتحاناً لعباده المؤمنين للعلة التي تذكرها سبحانه بقوله: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:140 - 141].
ولقد بين سبحانه وتعالى لعباده وأوليائه صفة الكفرة، وحقيقة طريقتهم حتى لا يخدع المؤمنين مخادع، ممن ينتسب إلى الإسلام بلسانه وهو في الحقيقة من أعداء الله عز وجل المنافقين، الذين يلبسون ويصدون عن سبيل إله ويبغونها عوجاً.