أما الحديث الوارد في الهذ المقصود به: ليس شدة الإسراع، ولكنه أسرع قليلاً مع الترتيل، ومع التدبر، فهو محمول على ذلك، أما القدر الذي يزيد على هذا القدر كالذي يقرأ المفصل في ركعة فإنه يكون مذموماً، فهناك هذ أقل سرعة، أما الهذ السريع فهو الذي أنكره ابن مسعود رضي الله عنه، بل وأنكره الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً حيث قال: (لا يفقه من قرأ القرآن دون ثلاث ليالٍ) فيكون مكروهاً وهو أن يقرأ عشرة أجزاء أو أكثر من عشرة أجزاء في اليوم ومن باب أولى أن يقرأ القرآن كله في ليلة؛ لأنه لا يستطيع أن يفعل ذلك إلا بسرعة شديدة.
هذا وإن كان منقولاً عن بعض الصحابة إلا أن كل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن بعض الأسانيد عن بعض الصحابة غير ثابتة، لكن إذا صح عنهم ذلك فيحمل على أنه لم يبلغهم نهي النبي صلى الله عليه وسلم في النهي أن يقرأ القرآن دون ثلاث ليالٍ، وحتى في الأيام الفاضلة يقرأ قليلاً من أجل أن يشغل الليلة بالقراءة، ولكن بترتيل، كما كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كان يطول السورة أحياناً حتى تكون أطول من أطول منها، فهذا الاختلاف في السرعة.
قال النووي: (هذاً كهذ الشعر)، معناه: في تحفظه، وروايته، لا في إنشاده وترنمه؛ لأنه يرتل في الإنشاد، والترنم في العادة لا يكون مؤثراً في القلب؛ لأن الشعر لا يؤثر كما يؤثر القرآن.
أما قوله: (إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن سورتين في ركعة) وفسرها أنها عشرون سورة في عشر ركعات من المفصل في تأليف عبد الله، فقد قال القاضي: هذا صحيح، وموافق لرواية عائشة وابن عباس أن قيام النبي صلى الله عليه وسلم كان إحدى عشرة ركعة، وأن هذا كان قدر قراءته غالباً.
وقد ورد في بعض الروايات: إحدى عشرة، وفي بعضها ثلاث عشرة، والصحيح أنه كان يفعل هكذا أحياناً وهكذا أحياناً، فأحياناً يصلي إحدى عشرة وأحياناً يصلي ثلاث عشرة.
قال: وأن تطويله الوارد إنما كان في التدبر والترتيل، وما ورد غير ذلك في قراءته البقرة والنساء وآل عمران كان في نادر من الأوقات.
أي: أن المعتاد هو هذا القدر.
والله أعلى وأعلم.
قال: وقد جاء بيان هذه السور العشرين في رواية في سنن أبي داود: الرحمن والنجم في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، والواقعة و (ن) في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، والمدثر والمزمل في ركعة، وهل أتى ولا أقسم في ركعة، وعم والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة.
وسمي مفصلاً لقصر سوره وقرب انفصال بعضهن من بعض.