علو كلمة الله ورجوع الكافرين بالحسرة والبوار

والله قد وعد بأن تكون كلمة الذين كفروا السفلى، قال تعالى: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40].

ومقتضى عزته وحكمته أن يسفل كلمة الكافرين، وأن يعلي كلمته عز وجل بفضله وبرحمته وبعدله عز وجل، ويمحق الكافرين ويذلهم لخلافهم رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} [آل عمران:151].

وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الأنفال:36 - 40]، نعم المولى يتولى أمر المسلمين، فإذا قيل: من للمسلمين يتولى أمرهم وقد تخلى عنهم القريب والبعيد ولا يوجد من يحميهم ولا يوجد من يؤيدهم؟ قلنا: يتولاهم ربهم عز وجل ((نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ))، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:11].

وكم تبلغ الكرة الأرضية في هذا الكون الواسع؟! وكم حجمها في هذا الوجود؟! فأمر الله عز وجل فيها نافذ وهي كذرة، كما قال تعالى: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] فالسموات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن كخردلة في كف أحدكم، هكذا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالذين كفروا ينفقون أموالاً كثيرة، وما أنفقوا في أمر من الأمور مثلما أنفقوا في الحرب ضد الإسلام وأهله والإعداد للإسلام وأهله، ومع ذلك فإنهم سينفقونها ثم تكون عليهم حسرة؛ لأنهم يجدون غير ما يريدون، ويتحقق عكس مقصدهم، فهم يريدون إضلال الناس والله يهديهم {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان:31]، فهم يريدون إضلال الناس فيهديهم الله، ويريدون هزيمة الإسلام فينصره الله، ويريدون إذلال المسلمين فيعزهم الله، وكفى بربك عز وجل هادياً ونصيراً، ولذا يتحسرون، كما قال تعالى: ((فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ))، وكل ذلك فيه بشارة، فإن حسرتهم هي في عدم تحقق مقاصدهم، ثم يغلبون في النهاية، وتأمل (ثم) هنا، فسوف يتحقق الأمر وإن طال المدى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015