المبشرات تملأ كتاب الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52] فليس هذا وعداً خاصاً بالرسل، فقد نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنتم -يا أهل الإسلام- موعودون بالنصر مثلما نصرت الرسل إذا حققتم الإيمان، والإيمان قول وعمل ونية واعتقاد وسلوك وخلق، تحقيق لما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتزام صادق، وهذا الذي يجب أن نقدمه للإسلام، فإذا كنا نعجز عن أن نقدم للإسلام أنفساً أو أموالاً فإننا لا نعجز عن أن نقدم قلوباً سليمة بتوفيق الله، فنحن نستطيع أن نقدم الشخصية المسلمة في كل واحد منا يحقق التزامه الصادق بالإسلام، ويكون داعياً إلى الله سبحانه وتعالى بسلوكه وعمله وقوله ودعوته، فيبلغ الحق للناس، وإذا رأوه ملتزماً التزاماً صحيحاً، فإن ذلك من أعظم ما يجذبهم إلى الدين.
وإن الظلم والطغيان والعدوان مما يغير الله به القلوب تغييراً عجيباً إلى الالتزام بالدين خاصة إذا كان الظلم من أجل أنه مسلم، أو من أجل أن المسلمين أعلنوا كلمة الحق والتوحيد والدين ورايتهم الإسلامية وما نقم منهم غير ذلك، وما أخذ عليهم غير ذلك في الحقيقة، وإن زعم الظالمون بغير دليل ولا بينة أنهم نالوا منهم شيئاً، وليس عندهم أدنى دليل، والناس يقولون في العالم كله: إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، إلا في موازين القوم المجرمين الظالمين، فإن عندهم أن المتهم يستحق الإحضار حياً أو ميتاً بدون أن يثبت أي دليل للإدانة، وإنا لنعجب من هذا الظلم الذي صارت قلوب الملايين تقبله وتقر بمشروعيته، وتسمي ذلك إقامة للعدالة، وبالغوا هم في ذلك فنسبوا لأنفسهم صفة الربوبية فقالوا: هذه هي العدالة المطلقة نعوذ بالله! فالظلم المطلق الأكبر يسمى العدالة المطلقة! عجباً للقوم! لكنها موازين الأرض الفانية، فالقوة عندهم هي الحق وهي العدل، والذل هو الذي يجعل الإنسان مقهوراًً مغلوباً، والمنتصر هو صاحب الحق مهما كان مبطلاً وظالماً وطاغياً، ولو كان مثل قاطع الطريق بل أسوأ فإنه صاحب الحق عند القوم، هذه موازينهم.
أما أن يكون الحق بميزان شرع الله سبحانه وتعالى الذي لا حق سواه فهذا عندهم لا يصح، وكم من راض في المشارق والمغارب بالظلم والعدوان وهو جالس في بيته! وإن لم يشارك إلا بهمته فإنه محصور مع الظالمين وهو تابع لهم، والعياذ بالله.
فما يفعله الظالمون والطغاة والكفار عند هؤلاء القوم هو من العدل والحق ومما ينبغي أن يعان عليه، نعوذ بالله من ذلك، فالإعانة على الظلم ظلم، وربما كان الإنسان معيناً للظالم بهمته دون أن يكون معيناً بماله أو نفسه، فإذا كان معيناً بماله ونفسه وأمره وقوله وفعله فهذا -والعياذ بالله- حكمه حكم الظالم ومصيره عند الله سبحانه وتعالى كمصيره، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:51 - 52].
وهذه من البشارات، فإن (عسى) من الله واجبة.