الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وأشهد أن لا إله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
أما بعد: فيقول الله عز وجل: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر:5 - 6].
يظن أكثر الناس أن الحق هو القوة، فيرون الباطل حقاً لأنه قوي ويرون الحق باطلاً لأنه ضعيف في نظرهم، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق من مكانه الذي يستحقه ويناسبه في الظهور.
فيريدون إزهاق الحق وإبطاله، فاستعملوا كل الوسائل المادية، وكذا الإعلام، والجدال بالباطل ليصدوا الناس، وهموا بأن يأخذوا رسلهم ويزيلوا الحق بأخذ الرسول الداعي إلى الله عز وجل، وكذلك بالجدال بالباطل والكذب والزور وأنواع الشبهات الباطلة، فعندهم السلطان وعندهم من الشبهات ما يخدعون به من هو صال الجحيم، كما قال عز وجل: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات:161 - 163].
لا يفتنون إلا من كتب الله عليه أن يصلى الجحيم، ولا يهلك على الله إلا هالك، ولا يزيغ عن المحجة البيضاء في ظلمات الليل إلا هالك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تركنا على الصراط المستقيم وعلى المحجة البيضاء ليلها كنهارها.
ويظهر الحق في فترات النور والانتصار والتمكين، فالحق واضح لمن طلبه والمجاهدون بالباطل يجاهدون ليدحضوا به الحق فيأخذهم الله، كما قال تعالى: {فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [غافر:5].
ولقد كان عقابه تعالى شديداً لمن خالفه وحاربه وحارب رسله وأولياءه وحارب دينه والحق الذي أنزله، وهكذا في كل زمان تتكرر هذه السنة، {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [غافر:6]، فبالحق نزل بهم عذاب الله، وبالحق نفذ فيهم قدر الله، وبالحق نفذت كلمته سبحانه وتعالى.
وكلماته الشرعية هي الحق، وكلماته القدرية هي التي تكون بها الأشياء {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، وهي -أيضاً- الحق الذي لا باطل فيه ولا مرية فيه، {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر:6].
وجبت هذه الكلمة بالحق، فبأعمالهم دخلوا النار، وبحصاد ألسنتهم وأيديهم كبوا على وجوههم، وصاروا من أصحاب النار بما جنت أيديهم وبما كانوا يكسبون، {مَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران:117].