والإيمان إذا ذكر مع الإسلام فالمراد به ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره)، كما أجاب جبريل عليه السلام عن سؤاله عن الإسلام والإيمان.
وهذا الإيمان الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أصله الإيمان بالله، وأما باقي أركان الإيمان فهي لوازمه أو من أجزائه، فالإيمان برسل الله صلوات الله وسلامه عليهم لازم من لوازم الإيمان به سبحانه، فلا يقبل الله عز وجل إيماناً به دون إيمان بالرسل، فإنه لا يكون مؤمناً من كذب الرسل؛ لأن الله عز وجل قد صدقهم وأرسلهم بالصدق والحق، فمن كذبهم فقد كذب الله عز وجل، ولا يكون مؤمناً أبداً من كذب الله.
فليس الإيمان مجرد المعرفة بوجود الله سبحانه وتعالى، وإن كان ذلك -بلا شك- من أصوله، لكنه لا يكون إيماناً نافعاً، فلقد كان المشركون يقرون بوجود الله عز وجل، وبخلقه للسماوات والأرض وبخلقهم، كما قال سبحانه وتعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:9].
وقال سبحانه وتعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:87].
وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون:88 - 89].
فهم كانوا يقرون بأن الله عز وجل هو الخالق المالك، وأنه سبحانه وتعالى هو الذي يدبر الأمر، كما قال عز وجل: {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [يونس:31].
فليس الإيمان بالله عز وجل مجرد المعرفة بوجوده، فلقد كان المشركون يقرون بذلك، ولقد كان اليهود والنصارى أشد معرفة بوجود الله عز وجل، وبكثير من أسمائه وصفاته من غيرهم، بل ويقرون بالبعث بعد الموت، ومع ذلك قال الله عز وجل عنهم: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29].
فتبين بذلك أن الإيمان ليس مجرد المعرفة، بل يلزم الإيمان بسائر أركانه، كالإيمان بالملائكة والكتب والرسل، والإيمان بالكتب ضمن الإيمان بالله؛ لأنه إيمان بكلامه، والإيمان بالقدر جزء من الإيمان بالله، ولعل هذا -والله أعلى وأعلم- هو السبب في أنه لم يذكر الإيمان بالقدر في قوله سبحانه وتعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة:285].
وفي قوله عز وجل: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:136]، فلم يذكر الإيمان بالقدر في هذين الموضعين؛ لأنه داخل ضمن الإيمان بصفات الله عز وجل؛ ولأن الإيمان بالقدر إيمان بعلم الله، وبكتابة المقادير، وإيمان بإرادته وقدرته وخلقه لأفعال العباد، فكلها صفات له عز وجل، فهو ضمن الإيمان بالله، وأما الإيمان باليوم الآخر فهو من لوازم الإيمان بالله.
إذاً: فلا يكون الإنسان مؤمناً إن أنكر بعثه سبحانه للناس ومحاسبتهم على أعمالهم؛ فإن ذلك -في الحقيقة- إنكار لحكمته، وإنكار لعدله، وإنكار لرحمته، وإنكار لفضله، كما قال عز وجل: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ} [الأنعام:12].