وهذه القصة فيها من العبر ما فيها، وهي قصة الخنساء تلك الشاعرة، التي مات أخوها في الجاهلية فظلت سنوات تبكي عليه وترثيه بشعرها، لكن لما أسلمت تغيرت، ففي القادسية، وانظرن وتعجبن من هذه الموقف، وتخيلي أمة الله! أنك في هذا الموقف التي هي فيه! لو قال لك ابن في هذا الزمان: يا أماه! بعت نفسي لله، أريد أن أذهب إلى الجهاد، أريد الجنة يا أماه! كيف تردين عليه؟ أما هذه الأم فلها أربعة أبناء فقالت لهم: يا أبنائي! أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وتعلمون ما أعده الله من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]، فيا أبنائي، اذهبوا إلى الجهاد.
وذهب أبناؤها الأربعة إلى الجهاد، فانتظرت الخبر، فإذا بالخبر يأتيها، قيل لها: إن أبناءك الأربعة كلهم قتلوا في سبيل الله، كلهم قد استشهدوا في سبيل الله، فماذا ستقول هذه المرأة؟ التي بكت على أخيها سنوات، ماذا تقول في أبنائها؟ قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من الله أن يجمعني وإياهم في مستقر رحمته.
يا أمة الله! هل تربين أبناءك على الجهاد أم على الدعوة وطلب العلم، وعلى طاعة الله، ومراقبته جلَّ وعلا؟ أم ما الذي ربيت أبناءك عليه؟ في الصغر على أفلام الكرتون، وعلى الأغاني والمسلسلات، وعلى الأفلام والرقص، ثم إذا كبر شيئاً ما، على الملاهي، وعلى أماكن التبرج والاختلاط، ثم إذا كبر فعلى المطاعم والوجبات السريعة، يمكث ليله كله هناك.
وأي شيء يلبس؟ انظر إلى لباسهم، العجيب أن أمه محجبة ملتزمة، وأبوه لا يفارق المسجد، وهو يعطى من الأموال ما شاء، ويسهر الليالي أين شاء، ويسافر كيف يشاء، ويجلس مع من يشاء!
اسألي نفسك هل أرضعته حب طاعة الله؟ وهل عودته على حب الصلاة؟ وهل قرأ القرآن؟ أم ماذا يا أمة الله؟
إنها أم حرام، تستقبل بعد غزوة أحد الناس وقد شاع في الناس أن محمداً عليه الصلاة والسلام قد قتل، فجاءت تستقبل الناس، فلما استقبلت الناس قيل لها: إن أخاك قد قتل، وإن أباك قد قتل، وإن زوجك قد قتل، وإن ابنك قد قتل، كلهم قتلوا في غزوة أحد، فلم ترد عليهم، وقالت: وماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أربعة من أقرب الأقربين قد قتلوا، وهي تقول: ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فدلت عليه، فأخذت بناحية ثوبه، فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذا سلمت من العطب، لا أبالي إذا سلمت من العطب.
نعم إن المرأة هي مربية الأجيال، إن المرأة هي حاضنة الرجال.
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
أولئك الرجال الذين تربوا بحضن من؟ الإمام أحمد من ربته ومن علمته؟ إنها أمه رحمها الله كانت تذهب به إلى المسجد، فصار ابنها إمام أهل السنة والجماعة، شيخ الإسلام من ربته؟ الأئمة الأعلام من الذين ربوهم؟ يا أمة الله! اعقلي، إن عليك وبيديك أن تربي الرجال ليكونوا مجاهدين، وليكونوا علماء، وليكونوا دعاة إلى الله عزَّ وجل.
إن العلمانيين والمنافقين يثبطونك، خسئوا وتعسوا، يقولون: دورك الآن أن تكوني عضواً في مجلس الأمة، دورك الآن أن تخوضي مع الرجال، دورك الآن أن تخرجي من البيت، من هذا السجن، من هذه القيود، انفضي عنك الغبار، اقطعي هذا الحجاب، أحرقيه واخرجي بين الرجال، حتى قالت إحداهن: لمَ هذه القيود؟ لِمَ هذه القيود على المرأة؟ هل لأن الله ذكر وليس أنثى؟! نعوذ بالله من هذه الكلمات، وإلى آخر هذه المقولات من الفاجرات، من تلك النساء الغافلات.
أمة الله! لا تغرنكِ هذه الحرب الشعواء، فإنما أنت مربية الأجيال، وصانعة الرجال.