إنها أم سليم، الرميصاء سهلة بن ملحان رضي الله عنها، خطبها أبو طلحة، فقالت له: [أما إني فيك لراغبة، ومثلك لا يرد، ولكنك كافر وأنا مسلمة]-الله أكبر! مَن مِن النساء تقول هذا الكلام أو مثله في هذا الزمان- قالت: [ولكنك كافر وأنا مسلمة، فإن تسلم فإسلامك مهري، ولا أريد منك مهراً].
في يوم حنين خرجت مع الرجال تداوي الجرحى -نحن من منا تسافر هذه السفرات؟ لا أريد منكِ أن تخرجي للجهاد يا أمة الله! إلا بضوابط الشرع، ولكن انظري إلى هذه المرأة أين تخرج؟ - تخرج تداوي الجرحى، وقد وضعت في بطنها خنجراً، وزوجها ينظر إليها ويبتسم، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ألا ترى يا رسول الله إلى أم سليم، وقد وضعت في بطنها خنجراً، فيبتسم ويتعجب منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أم سليم! ما تفعلين بهذا الخنجر؟ قالت: يا رسول الله! إن دنا مني أحد، أقد به بطنه).
انظرن إلى الشجاعة! انظرن إلى قوة الإيمان! انظرن إلى التضحية في سبيل الله!
مرض لها ولد صغير، ويوماً من الأيام خرج زوجها للعمل، ولما كان خارجاً نظرت إلى ولدها وقد اشتد مرضه؛ فإذا به تفيض روحه، فهل ناحت؟ هل شقت جيباً؟ هل نتفت شعراً؟ هل دعت بدعوى الجاهلية؟ هل اعترضت على قدر الله؟ لا.
بل أخذته فغسلته وحنطته وكفنته ووضعته في جانب البيت، جاء زوجها في الليل، فجلس وتعشى، ثم قال لزوجته: كيف حال الصبي؟ قالت: هو بأهدأ حال، وما كذبت، فهي الصادقة رضي الله عنها، نعم هو بأهدأ حال لأنه ميت، ثم تزينت لزوجها وتطيبت، وجاءته في الليل، ونام معها، فلما أصبحت في الصباح أخبرته بالخبر، فغضب عليها ووجد عليها فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يذكر له الخبر، قال له: إن زوجتي فعلت كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: (أعرستم البارحة؟ أي: جامعتها، قال: نعم.
قال: اللهم بارك لهما في ليلتهما) فكان أن رزقه الله عزَّ وجلَّ من الولد ما بارك الله عزَّ وجل فيهم.
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ} [البقرة:155] ولد يموت، أخ يموت، الأب يموت، الزوج يموت، الأم تموت، لكن ماذا نفعل: {وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155] يقول الله تعالى: (ليس لعبدي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة) إذا مات الولد، فماذا تفعلين يا أمة الله؟ البكاء لا بد منه، لكن هل تنوحين، أم تكونين كـ أم سليم التي صبرت، وَرَضيت بقدر الله، ولم تجزع، ولم ترد أمر الله عزَّ وجل، أم تفعلين كما تفعل الجاهليات؟!