هذا الإمام أحمد، يقول ابنه عبد الله: كان يقوم كل ليلة بثلاثمائة ركعة يصلي ثلاثمائة ركعة يا عبد الله! فلما فتن وضرب وجلد ورمي في السجن في ليلة قارصة باردة شديدة البرودة، يقول عن نفسه بعد مائة وستين جلدة، يقول: دخلت أتحسس- في ظلام دامس وبرد قارس- أتحسس فوقعت يدي على ماءٍ بارد، يقول: فأخذت وتوضأت، وأخذت أصلي حتى الفجر {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} [السجدة:16] الليل دعاء وبكاء وتضرع، هكذا الصائمون الصادقون {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] قالوا: يا إمام! قلها وتخلص.
قال: لا، القرآن كلام الله.
فمكث في السجن ثمانية وعشرين شهراً، لم يفطر فيها يوماً واحداً، سرد الصوم كله {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:184] نعم، الصوم ما أحلاه! وما أعظمه! بعضهم عند الاحتضار قيل له: لم تبكي؟ قال: لا أبكي إلا على ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، أبكي لأنني فارقت أيام حَرٍّ كنت أصومها لله عز وجل أين هي الآن؟ فقدتها ما ألذها! وما أحلاها! أحلى أيام حياته، والآخر يقول: على مكابدة الليل.
كان الإمام أحمد يقوم قبل السجن بثلاثمائة ركعة، فلما تعب بعد السجن كان يقوم في الليلة الواحدة مائة وخمسين ركعة، وكان عمره قد تجاوز الثمانين عاماً.
كانوا يتلذذون بقيام الليل، فيا من يقبل عليهم شهر رمضان لِمَ تعدون لياليه؟ ولمَ تترقبونه؟ ولمَ تتأهبون للقائه؟ إن لم يكن لهذا، فبئس الاستعداد والترقب!!