عباد الله: من الناس من يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة طلب العلم، حتى يصبح عالماً حتى يصبح شيخاً، وكأنه غفل أو تغافل عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) ولو ذكرته بها لصد عنها صدوداً، ولتأول لها تأويلاً، ولاعتذر لها واختلق لها الأعذار، ولو قلت له: إن أقل العلم الواجب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي آية تعلمها فتبلغها، أو حديثاً (نضر الله امرءاً سمع مني مقالة فوعاها، فبلغها كما سمعها، فرب مبلَّغٍ أوعى من سامع) فأقل العلم حديثٌ أو آية تبلغها في الناس؛ لا اعتذار بأعذار، وتوهم توهمات، وتأول تأولات، فجلس ونكص وتخلف مع الخالفين، وقعد مع القاعدين: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة:47] ولا يرضى بهذا، بل يثبط الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فإن قام قائلٌ منهم قال: هذا جاهل، وإن تكلم أحدهم قال: اطلب العلم ثم ادع إلى الله، وإن تصدى أحدهم قال: أنت فيك كذا وكذا فلا هو الذي أمر بالمعروف، ولا هو الذي نهى عن المنكر، ولا هو الذي ترك غيره يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قال عليه الصلاة والسلام: (لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن ينزل عليكم عقاباً من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم).
ولابد للداعية من ثلاثة أمور:
أولاها: العلم.
فلا تدعو إلى الله بمسألة إلا وأنت تعلمها، ولا يشترط أن تكون عالماً، بل كل مسألة تأمر فيها وتنهى عنها لا بد أن يكون لك فيها علم.
ثانياً: الرفق والتدرج والبدء بالأهم فالأهم.
ثالثا: الحلم، قال سبحانه وتعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك} [آل عمران:159] ولو كنت فظاً -يا رسول الله- غليظ القلب لانفضوا من حولك، فعليك بالشفقة على الناس، واللين معهم، وإياك والقعود والنكوص عن هذه الشعيرة، ولنحييها فينا جميعاً، ليقم كلٌ منا مع أخيه، اثنان أو ثلاثة يتجولون في الأسواق، أو المنتديات، أو الدواوين، أو المجالس، أو النوادي، يهدونهم الأشرطة والكتيبات، ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، وينصحونهم ويعظونهم.
نعم يا عباد الله! هكذا لنحيي هذه الشعيرة {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
أقول هذا القول، وأقم الصلاة.