أولئك -أهل النار- يقيدون بالسلاسل، وهؤلاء -أهل الجنة- يجلسون على الفرش.
أولئك يأكلون الغساق والغسلين ويشربون الحميم، وهؤلاء يطاف عليهم بآنية من فضة ومن ذهب قد امتلأت بالخمور، وامتلأت بالعسل، وامتلأت بما يشتهون.
أولئك يأكلون الضريع الذي قد امتلأ شوكاً تغص به الحلوق، وهؤلاء يقربون ما يشاءون من لحم طير مما يشتهون، وفاكهة مما يتخيرون.
أولئك قرناؤهم وأصحابهم الكفار والفجار والضلال والمشركون والمجرمون، وهؤلاء يجلسون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ويوسف وإدريس والأنبياء والمرسلين، ويجلسون مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ويجلسون مع الصالحين.
أولئك -أصحاب النار- يفترشون من النار، ويلتحفون من النار، أما هؤلاء فهم على سرر مرفوعة، بطائنها من إستبرق -من حرير- كيف بظاهرها يا عبد الله؟!
أولئك يعذبون بحر جهنم وسمومها، وهؤلاء يستظلون بسقف هو عرش الرحمن جل وعلا.
أولئك أصحاب النار لا ينظرون إلا إلى خزنة جهنم الذين يستقبلونهم بالمطارق وبالمقامع، أما أولئك فيطوف عليهم غلمان مخلدون: {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الواقعة:18] {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} [الإنسان:19].
وفي كل جمعة ينظرون إلى الرب جل وعلا فينسون به نعيم الجنة كله.
عباد الله: إن الفرق بين أولئك وهؤلاء أن أولئك إذا أكلوا فمن الربا، أما هؤلاء فيقصرون طعامهم وأموالهم على الحلال.
أولئك إذا استيقظوا فإنما يستيقظون لدنياهم ولمعاشهم أما أولئك فإذا استيقظوا فلصلاة الفجر، وإذا ذكروا فأكثر ما يذكرون الله، وإذا تعلقت قلوبهم فبالله، وإذا سألوا فيسألون عن الحلال والحرام.
أولئك -أهل النار- يعاشرون وهؤلاء أهل الجنة يعاشرون.
أما أهل النار فيعاشرون بالحرام زناً ولواطاً، أما أهل الجنة فيعاشرون بالحلال مما أباح الله لهم من الأزواج وملك اليمين.
أولئك أهل النار -يا عباد الله- أبوا إلا شراب الدنيا أبوا أن يتعاطوا إلا المخدرات، أما أولئك فيشربون من اللبن والعسل، ومن جميع أنواع المشروبات في الدنيا مما أباح الله، لهم صبروا على الحلال وعلى طاعة الله.
أولئك -أصحاب النار- يسجدون لشهواتهم، ويركعون للذاتهم، ويتبعون شهواتهم، أما أهل الجنة فإنهم يسجدون لله، ويركعون لله، ويستجيبون لله فهل بين الفريقين مقارنة يا عباد الله؟ {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20] نعم والله! {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] فالتلفاز والأغاني والربا والنساء والمعاش هذا مما يصد عن طريق الله وعن عبادة الله.
عبد الله: اصبر على طاعة الله، وتحمل فإنما هي أيام قلائل، وإنما هي سنوات تمضي كلمح البصر، وإنما هو عمر واحد والنفس تخرج فلتة.
اصبر -يا عبد الله- واسمع خاتمة صبرك {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:24].
أعود فأقول: إن هذا الحر لن يمر على عباد الله الصالحين هكذا، ولن يمشوا في حر الشمس هذه الأيام إلا ويتذكرون حر جهنم ويتذكرون زمهريرها يتذكرون يوماً تتقطع فيه القلوب، بل تبلغ إلى الحناجر من شدة الخوف، إن جهنم تزفر زفرة واحدة لا تبقي أحداً إلا وقد خاف منها تتقطع قلوبهم يبكون الدماء من شدة الندم والحسرة.
إن عباد الله يمرون في الشمس هذه الأيام إن تذكروا فإنما يتذكرون حر جهنم فيبتعدون عن المعاصي ويقبلون على الطاعات.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداء الدين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم إنا نسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما يقرب إليها من قول وعمل.