لن يدخل الجنة شيخ كبير، ولا امرأة عجوز، فكلهم يرجعون مرة أخرى شباباً، يرجعون بقوة وشباب، جرداً مرداً مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين عاماً، تخيل وهم يدخلون الجنان ماذا يرون؟ وماذا يشاهدون؟ {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ} [الإنسان:20] مهما أخبرتك فالأمر أعظم، مهما تصورت فهي أكبر {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} [الإنسان:20] تخيل وأنت تدخل، أرضها بيضاء كالمرآة، تربتها الزعفران واللؤلؤ والياقوت.
تقول: وهل أعرف مكاني إذا دخلت فيها؟ أقول: إذا دخلت إلى الجنة تعرف مكان قصرك أكثر مما تعرف بيتك في الدنيا.
أما من ينتظرك في ذلك القصر؛ وفي تلك الخيام، وما ينتظرك من النعيم مهما تصورت فلن تعلم {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أعْيُن} [السجدة:17] مفاجآت وجوائز ونعيم عظيم لن تتصوره (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
أتعلم أن أدنى أهل الجنة منزلة، آخر من يخرج من النار ويدخل إلى الجنة: رجل له مثل ملك الدنيا وعشرة أمثالها!
فيا من تقاتلوا لأجل الدنيا، ونسوا الصلاة، وفرطوا في الأذكار، وهجروا القرآن لأجل حفنة من الدنيا، اعلموا أن آخر أهل الدنيا دخولاً الجنة؛ له مثل الدنيا وعشر أمثالها.
(يدخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فيراه نائماً على حصير قد أثر في جنبه، فبكى عمر، فقال صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا عمر؟ قال: ملوك كسرى والروم ينامون على الديباج والحرير وأنت تنام على حصير! قال: ويحك يا بن الخطاب أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟).
مناديل سعد أرأيت المناديل التي ترمى ولا يؤبه لها (مناديل سعد في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس).
جاء في حديث: (لو أن ما يحمل ظفر من الجنة بدا -لو واحد يحمل بظفره شيئاً من الجنة، فيخرجه من الجنة، أتعرف ما الذي يحصل؟ - لتزخرفت خوافق السماوات والأرض).
وفي حديث آخر: (لو أن امرأة من الحور العين اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بين السماء والأرض، ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها) {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17].
تصور نفسك أيها العبد المؤمن الصادق! يا من تحافظ على صلاة الفجر! يا من لك ورد من القرآن! يا من تصلي شيئاً من الليل! يا من ترفع يديك تطلب النجاة من الله! تصور نفسك وقد دخلت الجنان، تنعم فيها ولا تبأس، لا تظمأ فيها ولا تضحى، تصور ما الذي تراه؟! لا شمس في الجنة، سبحان ربي! من أين يأتي الضوء؟! وفيها ظلال، سبحان الله! ومن أين يأتي الظلال إذا لم يكن فيها شمس؟! {لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً} [الإنسان:13] أي: لا شمس، ولا برد، من أين تأتي الأنوار؟! يقول شيخ الإسلام: نور يأتي من قبل عرش الرحمن فيضيء لأهل الجنان.
الله أكبر!