سوف نبدأ وإياكم بشيء من أوصافها، ثم لا تعجب حين تسمع أن عمير بن الحمام؛ وهو رجل كبير، قبل بدر يسمع صفة من صفاتها، وهي: أن عرضها كعرض السماء والأرض، فقال: (بخ بخ! قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ما حملك على قولك بخ بخ؟ قال: لا شيء إلا رجاء أن أكون من أهلها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يزف إليه بشارة: فإنك من أهلها) الله أكبر! الله أكبر! يبشر إنساناً من أهل الأرض أنه من أهل الجنة، هل يريد حياة في الدنيا بعدها؟! هل يريد أن يعيش في الدنيا؟! إذا كانت الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) فلم يعيش الإنسان إذا علم أنه من أهل الجنة؟!
فإذا به يقول عندما سمع أنه من أهل الجنة، وأنه ليس بينه وبين دخولها إلا أن يقتل في المعركة، وكانت في يده تمرات فقال لنفسه: والله إنها لحياة طويلة إن عشت حتى آكل التمرات.
وهي تمرة أو تمرتان فقط، فألقاها وتقدم إلى المعركة فقاتل حتى قتل {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] ومهما عملت في الدنيا من صلاة، وصيام، وعبادة، وقيام ليل فلا تظن أن هذا هو ثمن الجنة، فالجنة أغلى بكثير (والله لن يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا).
الجنة أغلى من أن يكون عملنا ثمناً لها، فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة من عنده) فأعمالنا إنما هي سبب لرحمة الله التي هي السبب الحقيقي لدخول الجنة.
اسمع إلى الجنة، وتخيل وتصور أنك قد تجاوزت الحساب، وتصور أن موازينك قد ثقلت بالحسنات، وتصور أنك قد جزت الصراط ولم يبق على دخول الجنان إلا فتح أبوابها، ثم يؤذن لهم بالدخول.