وهذا الفضيل بن عياض، يقول عنه إسحاق بن إبراهيم: كانت صلاته بالليل أكثر ذلك قاعداً لا يتحمل القيام، كان يقعد في الليل فيصلي، تُلقى له حصيرة في المسجد -الآن تخيل حال هذا الرجل- فيصلي من أول الليل ساعة، حتى تغلبه عينه فيلقي نفسه على الحصيرة في المسجد، فينام قليلاً ثم يقوم: فإذا غلبه النوم نام، ثم يقوم فيصلي ثم ينام، ثم يقوم فيصلي، حتى يطلع الفجر، ثم يقول لمن حوله: أشد العبادة ما يكون هكذا: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17].
تأتي بنت فتقول لأبيها: يا أبت! الناس ينامون وأنت لا تنام؟! لم لا تنام يا أبي فكل الناس ينامون في الليل إلا أنت؟ فيقول: يا بنية! حر النار أذهب عن أبيك حب النوم: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18].
يقول محمد بن واسع: [أدركت رجالاً -لعلهم تابعين أو صحابة- كان الرجل له وسادة واحدة مع امرأته: قد بل ما تحت خده من دموعه وزوجته لا تشعر به] يبكي على وسادة واحدة في الليل وزوجته لا تعرف ذلك، لا يأتيه النوم من البكاء، أتعرف لمَ؟ إن الجواب في قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] النوم لا يأتيهم.
قال بعضهم: عجباً لمن كانت النار تسعر تحته، والجنة تزين فوقه كيف ينام؟! ما رأيت مثل الجنة نام طالبها، وما رأيت مثل النار نام هاربها، كيف ينام هذا الرجل؟!
النار يا عبد الله! تحتك تتسعر، والجنة تزين وقد أزلفت للمتقين، والحور العين تنتظرك! فكيف تنام الليل كله؟!: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16].