اسمعي إلى هذا الشاب العابد، كان حسن السمت، كثير العبادة، شاباً عابداً، نظرت إليه فتاة فشغفت به، وتعلقت به، فقالت له يوماً من الأيام وقد تعرضت له: يا فتى! اسمع مني كلمات أكلمك بها، وهو لا يكلمها، كل يومٍ تعترض طريقه، تقول: يا شاب أريد أن أكلمك كلمات وهو لا يكلمها، حتى وقف يوماً من الأيام فقالت له: يا فلان! إن جوارحي كلها مشغولة بك، فالله ألله في أمري وأمرك، ذهب الشاب إلى منزله أراد أن يصلي فلم يعرف كيف يصلي، تعرفين ماذا صنع؟ أخذ قرطاساً وكتب فيها كلاماً، فلما رآها في الطريق، ألقى إليها الكتاب، ففتحت الشابة الكتاب، ماذا في هذا الكتاب؟ اسمعي/ وأرجو منك يا أختي الفاضلة أن تتدبري هذه الكلمات! قال لها في الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلمي أيتها المرأة أن الله عز وجل إذا عصاه العبد حلم أول مرة، فإذا عاد إلى المعصية مرة أخرى ستر، فإذا لبس لها ملابسها غضب الله تعالى لنفسه غضبة تضيق منها السماوات والأرض والجبال والشجر والدواب، فمن ذا يطيق غضبه!
يا فلانة! إن كان ما ذكرت باطلاً فإني أذكرك يوماً تكون السماء فيه كالمهل، وتصير الجبال كالعهن، وتجثو الأمم لصولة الجبار العظيم، وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي فكيف بإصلاح غيري.
يا فلانة! وإن كان ما ذكرت حقاً، فإني أدلك على طبيبٍ يداوي الكلوم والأوجاع المريضة، ذلك هو الله رب العالمين، فاقصديه بصدق المسألة فإني مشغول عنك بقول الله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:18 - 19] فأين المهرب من هذه الآية؟ انتهت الرسالة.
وتعرضت له بعد أيام فتركها فقالت له: يا فلان لا ترجع! فلا كان الملتقى بعد هذا اليوم أبداً إلا بين يدي الله، ثم بكت وقالت له: عظني بموعظة أحملها عنك، أوصني بوصية أعمل بها، قال: أوصيك بحفظ نفسك من نفسك، وأذكرك قول الله: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام:60] فبكت بكاءً شديداً، ثم لزمت بيتها، وأخذت بالعبادة فلا تزال تتعبد ربها حتى ماتت.
لمَ لا تكونين أنتِ؟ لم لا يا أختي الفاضلة؟! إلى متى يسترنا الله؟ إلى متى تكلمين وتنظرين وتخرجين بهذه الملابس والله عز وجل يحلم علينا؟ ضحكوا عليكِ وقالوا لك: فتى الأحلام يحمل في فمه سيجارة، فتى الأحلام الذي يعيش في جو الموسيقى الهادئة، فتى الأحلام الذي يدعك تفعلين ما تشائين، فتى الأحلام يركب سيارة فارهة.
ضحكوا عليك وهزئوا بك كأنك لا تعلمين أن كثيراً من تلك الزيجات قد باءت بالفشل والطلاق، وعاشت بعضهن عيشة ألمٍ وحسرة وندم؛ تقول إحداهن:
ظننته فارس أحلامي الذي كنت أحلم به طوال حياتي، فلما تزوجته فإذا هو الشقاء بعينه، وهو العذاب بأسره، يقول لي في يوم من الأيام: لم تتحجبين أمام أصحابي وأصدقائي؟ قلت له: اتقِ الله، يقول: لا، أما أمام أصحابي فلا أرضى بالحجاب، البسي الملابس الضيقة والشفافة، ماذا تريدين أن يقول عني الناس؟ ماذا تظنينهم يقولون عني؟ اكشفي الحجاب، وانزعي الحجاب، أتريدين هذا الفتى أم تريدين غيره؟