أخي الكريم: اسمع لهذا الحديث العظيم الذي أسأل الله عز وجل أن يقذفه في قلبك فتقوم لصلاة الفجر، يقول عليه الصلاة والسلام: (بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة) نعم! إن الفجر لظلام، وإن الناس في هدوءٍ وسكون، وإن الناس في نومٍ وسباتٍ عميق.
يقوم هذا من نومه، ويفتح باب بيته، تكاد تسمع صوت نعليه من آخر الشارع؛ لأنه لا يمشي غيره، فيمشي حتى يأتي إلى بيت الله، فيدخل وقد مضى على الأذان عشر دقائق، وظن المسكين أن الصف الأول قد امتلأ، وأنه لن يدرك إلا الصف الثاني أو الثالث، فيدخل فيستغرب ولا يرى إلا المؤذن، فيقول له: أصليتم؟ فيقول: لا.
ولكن لم يأتِ أحد، لا حول ولا قوة إلا بالله! مضى على الأذان عشر دقائق ولم يأتِ أحد، بل بعض الأوقات يؤخر المؤذن الإقامة حتى يدخل اثنان أو ثلاثة يتمون بهم الجماعة، لم هذا يا عبد الله؟ بسبب اللآمبالاة وعدم استشعار الأجور، قال: (بالنور التام يوم القيامة) اثبت -يا عبد الله! - ولو كنت لوحدك، لا تقل: أنام مثل الناس، لا تقل: غيري ينام وأنا فقط لوحدي أقوم، اسمع فإن يوم القيامة ظلمة شديدة، هذه الشمس التي تراها تكور، والنجوم تتناثر وتنكدر، ويوم القيامة ظلمة في ظلمة.
وفي ذلك الظلام من الناس من يكون نوره كمد البصر، ومنهم من يكون نوره كأصبع في قدميه، نوره لا يكاد يضيء إلا أصبع قدميه، يضيء مرة وينطفئ مرة.
ومنهم من يمشي في ظلام يوم القيامة، لا يرى شيئاً، بل منهم في ذلك الظلام أعمى نسأل الله العافية: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:125 - 126] يقول تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:78]، ويقول: {أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مريم:59]، ويقول سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4]، ويقول: {أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:126].
إن كنت في صف المؤمنين يوم القيامة فإنك ولا بد سوف تمر على الصراط، تعرف ما صفة الصراط؟ الآن تخيل وأنت جالس:
أدق من الشعر سبحان الله! هل هذا ممكن؟!
أحد من السيف، هل تتصور أنه أحد من السيف؟! أتعرف ما تحت هذا الصراط؟ نار جهنم {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج:15 - 16] أي: من حرها اللحم ينفصل عن العظم، من شدة الحر، والنار تزفر من تحتهم، وتنادي: هل من مزيد؟ ويمر هذا على الصراط، تخيل أنك تمر وأنت في ظلام، هل تستطيع أن تجتاز الصراط؟!
من يمشي في النور؟ (بشر المشائين في الظلم -أي: إلى صلاة الفجر والعشاء- بالنور التام يوم القيامة) نورٌ تام {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:13] يوم القيامة يأتي المنافقون والمؤمنون في صف واحد؛ لأن من الناس منافقين أمام الصالحين صالح، وأمام الفسقة فاسق، في الملأ رجلٌ طائعٌ وصالح، وإذا اختلى ارتكب جميع المنكرات، هذا فيه نفاق نسأل الله العافية، يأتي يوم القيامة فيضرب الله عز وجل سوراً فإذا بالمؤمنين في جانب والمنافقون في الجانب الثاني، المنافقون ينادون المؤمنين خلف هذا السور {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:13].
في هذا الجانب ظلمة وعذاب، وفي الجانب الآخر نور ورحمة، ينادونهم! انظرونا -أي: انتظرونا- نقتبس من نوركم، فيرد المؤمنون عليهم: {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} [الحديد:13] ارجعوا للدنيا، ارجعوا لهذه الأيام، {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} [الحديد:13] ارجع في الدنيا فالتمس النور، أتعرف ما هو هذا النور؟ إنه في مثل صلاة الفجر، قال عليه الصلاة والسلام: (بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة).