لعلي أسألك: لم لا تصلي الفجر؟ تقول: إني نائم سبحان الله! ما رأيت مثل الجنة نام طالبها، وما رأيت مثل النار نام هاربها، تقول بنت لأبيها: يا أبت! لا أراك تنام مثل الناس.
نوم قليل سل أهل الملايين لا ينامون إلا بحبوب، وبعضهم لا ينام في الليل إلا ساعة وساعتين ثم يقوم من صباحه مبكراً إلى العمل، لمَ؟ يجمع الملايين، واطلب من بعض الناس أن يقوم لصلاة الفجر وتعطيه عشرة دنانير، أو مائة دينار، قل له: كل مائة يوم تصليها لك عليها ترقية، أو علاوة، ألا يصلون؟
نعم.
لأنها الدنيا التي ملأت القلوب {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} [النساء:77].
الطلبة -وهذا شيء طيب أن يقوم الإنسان إلى عمله- ألا ترون ألوفاً مؤلفة منهم تقف في طابور الصباح لا يتخلف أحدهم خمس دقائق؟ انظر قبل الموعد بدقائق ترى الأفواج كلها تأتي حتى لا يتأخرون دقيقة عن طابور الصباح، وهذا لعله شيءٌ طيب لكنه دنيا، أين هم في صلاة الفجر؟
{قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء:77].
أتعرف -أخي الكريم- أنك لو صليت الفجر، وخرجت في ظلام الليل لا ترى إلا شخصك يمشي، ولا تسمع إلا قرع نعليك، ولا تنظر يمنة ويسرة إلا ظلك، وأتيت إلى بيت الله لتصلي صلاة الفجر، وقد غلبك النعاس، وقد هجرت الفراش، وقد طويت ذلك الفراش لتأتي لله جل وعلا، لتركع ركعتين، ثم ترجع إلى الفراش أتعرف ما أجرك؟ يقول عليه الصلاة والسلام: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله) بل أخبر أنه في ذمة الله.
وانظر إلى هذا الطالب -الذي أخبرني ثقة عنه- في يوم من الأيام وقد حضر مجلساً للذكر -مثل هذا المجلس- فسمع حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله) فاذهب وافعل ما تفعل فأنت في ذمة الله، فسمع هذا الصبي الصغير هذا فقال لأبيه وقد جاء به إلى هذا المجلس: يا أبي! ما يعني في ذمة الله؟ قال: أي: في حفظ الله، وفي رعاية الله، قال: فقط أصلي الفجر؟ قال: نعم.
فقال الصبي لأبيه: إذاً يا أبي أيقظني معك في صلاة الفجر، قال: خيراً إن شاء الله، قال: يا أبي! إن لم توقظني لا أذهب إلى المدرسة، قال: خيراً إن شاء الله.
وظن الأب أن الابن فيه حماس الصبيان ونشاط الطفولة فلم يوقظه لصلاة الفجر، وأيقظه للدوام، فقال الابن: لم لمْ توقظني لصلاة الفجر؟ قال: أنت صبي صغير لكن عندما تكبر إن شاء الله أوقظك.
قال: والله لا أذهب إلى المدرسة، قال: يا بني! الدراسة، قال: والله لا أذهب، أجبره فامتنع عن الذهاب للدراسة.
تعجب الأب من حماس الصبي، فجاء في اليوم الثاني -ليس خوفاً على صلاته بل خوفاً على دراسته- قال: يا بني! قم لصلاة الفجر فقام لصلاة الفجر، وذهب مع أبيه فصلى في جماعة، فقال لأبيه: أنا اليوم في ذمة الله؟ قال: إن شاء الله أنت في ذمة الله، فذهب إلى المدرسة ودخل الفصل فقال المدرس: من أتى بالواجب؟ وكان الطالب غائباً في اليوم الذي كان فيه الواجب، فقام الطالب وكان معه بعض الطلبة الذين لم يأتوا بالواجب، فأخذ المدرس يضربهم واحداً واحداً حتى جاء دور هذا، فقال الطالب للمدرس: لن تستطيع أن تضربني -قال: أنا أتحداك أن تضربني- قال: ما الذي جرأك عليّ؟ وأخذ يعنف عليه تتجرأ على مدرس وتتحداني أني أضربك؟ حالك حال الصبيان.
قال: أما أنا لن تستطيع، قال: لمَ؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله) وأنا اليوم صليت الصبح في جماعة فأنا في ذمة الله، تريد أن تضربني أنا في ذمة الله وحفظه ورعايته، فضحك المدرس، وقال له: صدقت، أنت في ذمة الله ولن أضربك هذا اليوم.
{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78].
صح في الحديث أن من قام على ذكر الله وعلى صلاة قام طيب النفس نشيطاً، بعض الناس في العمل أو بعض الطلبة في المدارس تجده نشيطاً، وتجده طيب النفس حلو الكلام؛ لأنه صلى الفجر في جماعة، أول ما قام على ذكر الله، وأول ما استيقظ لله، قام للصلاة في المسجد، وتجده بعد الصلاة جلس يقرأ القرآن حتى طلعت الشمس لأنه نشيط، ثم ذهب فأفطر شيئاً قليلاً ثم ذهب إلى عمله.