الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
ثم أما بعد:
من الممكن أن نتكلم عن قيام الليل، وعن السحر، ونتكلم عن ناشئة الليل لأنها: {أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل:6] أما أن نتكلم عن صلاة الفجر فهذا خلل، وضعف، وقصور، لأنه ما كان يعرف في سلف الأمة وفي القرون الأوائل أناس لا يصلون الفجر، وما كان يعرف هذا إلا في صفوف المنافقين، أما في صفوف المؤمنين، فلم يكن يوجد هذا قد يتخلف إنسان مرة لعذر أو مرض أو نوم ومع هذا كان يلام ويعنف على هذا الأمر، أما أن يعرف إنسان لا يصلي الفجر فهذا غير موجود في صفوف المؤمنين.
ولهذا لما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (يا رسول الله! فلان نام حتى الصبح -أي: صلى الفجر لكنه ما صلى الليل- فقال عليه الصلاة والسلام: ذاك رجلٌ بال الشيطان في أذنه) هذا ما قام الليل، فكيف بالذين لا يصلون الفجر؟! إنه أمر شديد، ويستحي الإنسان منه، لكن واقعنا المؤلم لا بد أن نتكلم عنه.
أخي الكريم: أنت عندما تنام عن صلاة الفجر هل تعرف ما الذي حصل؟ تصعد الملائكة وترسل الكشوف -كشوف الأسماء- كلها، وفلان غير موجود فلان ما صلى الفجر يا رب!
أين فلان؟ وهو أعلم به، قالوا: تركناه وهو نائم، أو تركناه وهو يلهو، أو تركناه وهو غافل: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء:78].
لدلوك الشمس أي: صلاة الظهر، وغسق الليل، أي: صلاة العشاء، فدخلت في هذا أربع صلوات، الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وبقي صلاة وهي {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] أي: تشهدها الملائكة، ولمَ قيل لها قرآن الفجر، وما قيل لها صلاة الفجر؟ لأن صلاة الفجر معلومٌ عنها أنها طويلة، فإذا أطال الإمام في صلاة الفجر ما الذي يحصل؟ وإذا قرأ السجدة والإنسان في يوم الجمعة ما الذي يحصل؟ هذا يتشكى، وهذا يتأفف، وهذا يتململ، وهذا يبحث له عن مسجدٍ آخر، لمَ؟ لأن المصلي الآن إن صلى فحاله -إلا من رحمه الله- {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ} [النساء:142] أي: قد يقومون بعض الأحيان، لكن كيف يا رب؟ {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142].
كان في عهد محمد عليه الصلاة والسلام عبد الله بن أبي ابن سلول يصلي الفجر، وهو رأس المنافقين، لكن كيف يصلي؟ يصلي وهو كسلان متثاقل، لهذا فإن أثقل صلاة على المنافقين صلاة الفجر والعشاء يصلونها لكن بثقل وبكسل، وانظر إلى من يصلي صلاة الفجر، بعضهم يصلي وهو نائم، أو يصلي ولم يعلم ماذا قرأ الإمام؟! ما السبب أيها الإخوة؟
انظر إلى المسلمين بعد ساعة أو ساعتين في الساعة السابعة صباحاً، تزدحم الشوارع، وتضطرب الطرق، ويصدر إزعاج، ما الذي حدث؟ خرج الناس من البيوت إلى أين؟ إلى مكان عملهم، سبحان الله! ألم يكن في هذه البيوت أحياء قبل ساعة أو ساعتين؟ أليس في هذه البيوت مسلمون قبل ساعة أو ساعتين يأتون لصلاة الفجر؟ لا تدري كيف تجيب على هذا السؤال! للدنيا خرج الألوف المؤلفة، أما لصلاة الفجر فما خرج إلى المسجد إلا نصف صف، ما الذي جرى؟
يأتيني أحد المؤذنين يشتكي ويسألني سؤالاً وفيه بعض الحسرات والعبرات، فيقول: المسجد ليس فيه إمام، أنا أؤذن في المسجد، قلت له: خيراً إن شاء الله، قال: بعض الأحيان أؤذن ولا يأتي أحد، قلت له: عجيب! هذا موجود؟ قال: والله إني أنتظر حتى أخشى أن تشرق الشمس ولا يأتي أحد إلى المسجد، ثم قال: هل يجوز أن أغلق المسجد وأذهب إلى مسجدٍ آخر لأدرك صلاة الجماعة.
{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78].