أيها الأخ الكريم! أيها الأخ العزيز! ما الحل وما النجاة؟
أتعرف ما النجاة؟
إنها في قول الله جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
أيها الأخ العزيز! أقبل على الله جل وعلا، لا تقل: لا أستطيع لا أتحمل.
ألقيت محاضرة يوماً من الأيام وجاءني شاب بعد المحاضرة، حسن الوجه، مطلق اللحية، مقصر الإزار، فيه سيماء الصلاح، فقال لي: يا شيخ! أريد أن تذهب معي إلى مكان.
قلت له: وأي مكان؟
قال: مكان فيه أهل مخدرات.
قلت: ولِمَ أنت الذي ترسلني إلى هذا المكان؟
قال لي: يا شيخ! أنا الذي أمامك كنت يوماً من الأيام مدمناً للمخدرات، يقول: كنت يومياً أتعاطى المخدرات ولا أستطيع الخلاص منها.
قلت له: والآن؟ قال: الآن الحمد لله، أدعو إلى الله جل وعلا، أقرأ القرآن، أحضر حلق العلم، أحضر مع الصالحين، أجلس معهم، أبر والدي.
قلت له: والآن هل أنت سعيد أم كنت أسعد في الماضي؟
قال: يا شيخ! ما أحسست بالسعادة إلا هذه الأيام التي توجهت فيها إلى الله جل وعلا.
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].
أتريد الهداية؟ تريد التوبة؟ تريد صفحة جديدة بينك وبين الله؟
{وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} [آل عمران:135] قاطع تلك المجالس، فارق تلك الصحبة، أقبل على الصالحين، اجلس معهم، قل لهم: إني أقبلت على الله جل وعلا، فدلوني خذوا بيدي، قم آخر الليل، صلِّ ركعتين في السحر، فإن الرب ينزل، يقول: (هل من داع فاستجيب له، هل من مستغفر فاغفر له؟) صلِّ ركعتين في السحر، وأقبل على الله، واسجد بين يديه، ثم لتدمع تلك العينان، لعل الله أن يغسل ذنوبك.
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا واعصي الهوى فالهوى مازال فتانا
أما ترين المنايا كيف تلقطنا لقطاً فتلحق أخرانا بأولانا
أما تذكر يوم رفعت سماعة الهاتف، فقيل لك: أتعرف فلاناً؟
الذي كان معنا، في الدواوين في الشوارع، في الدراسة، تذكره جيداً
اذكره جيداً قبل أيام كنت معه، في حادث سيارة انقلب بها، وفارق الدنيا، إنا لله وإنا إليه راجعون!
أما ترين المنايا كيف تلقطنا لقطاً فتلحق أخرانا بأولانا
وفي كل يوم لنا ميت نشيعه نرى بمصرعه آثار موتانا
أقبل على الله جل وعلا، تعرف على الصالحين، افتح كتاب الله تبارك وتعالى، لتكن همتك عالية، هذه الهمة -همة الحبوب والتعاطي والإدمان- همة أنت تعرفها، همة خسيسة، ما أخسها وما أقذرها وما أنجسها!
لتكن همتك أن تضحي بهذا الجسد -الذي طالما تعاطى ذلك المخدر- لله جل وعلا.
همتك يا أخي العزيز! ألا تموت إلا شهيداً في سبيل الله.
اسمع إلى هذا الشاب الذي ابتلي في دينه، وانظر إلى همته، يسمى عبد الله بن حذافة، كان أميراً لسرية، وأنا أقص عليك هذه القصة لترفع همتك أيها الشاب، ولتترك هذا الماضي المظلم، ولتقبل على الله جل علا بهمة تناطح الجبال.
هذا الشاب كان يقود سرية من سرايا المسلمين، قبض عليهم النصارى، وكان فيهم عبد الله قائدهم.
فجاء ملك الروم إلى عبد الله بن حذافة، قال له: أتريد أن ترجع إلى أهلك؟ قال: نعم، قال: أشاطرك نصف ملكي، من أموال، ونساء، وقصور؛ بشرط واحد.
قال: ما هو؟
قال: أن تتنصر، تغير دينك من الإسلام إلى النصرانية.
فضحك عبد الله بن حذافة، وقال: والله لو أعطيتني الدنيا بما فيها على أن أترك هذا الدين طرفة عين ما تركته.
قال الملك: أدخلوه الحبس -السجن- فإذا بهم يدخلون عليه امرأة من أجمل النساء، وأغروها بالمال، فتعرت وتجملت أمامه، وحاولت أن تفتنه، فإذا بها تخرج بعد زمن، تقول للملك: لا أدري أأدخلتموني على بشر أم حجر، لا يدري أنا أثنى أم ذكر؟
فغضب الملك.
انظر إلى الهمة، انظر إلى الصبر على الدين، انظر إلى لذة الطاعة!
جيء بالقدور فأحميت ووضع فيها الزيت، قدر كبير وتحته النار تشتعل، والزيت يغلي، فجيء بـ عبد الله بن حذافة، وجيء بصاحب له من أصحابه، فإذا به ينزل حياً في قدر الزيت الذي يغلي، فاحترق حتى طفحت عظامه، وشوي جلده.
قال الملك: الآن دورك، بكى عبد الله.
قال له الملك: خفت الآن من الموت؟
قال: لا.
والله ما خفت، ولكن صاحبي هذا كان ينافسني دوماً في طاعة الله، أما الآن فقد سبقني إلى الجنة، يا ليتني كنت مكانه، والله الذي لا إله غيره لو كان عندي أرواح بعدد شعرات جسمي، لتمنيت أن تخرج كلها في سبيل الله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23].
أرأيت الهمة العالية؟!
يتقلب على الفراش يحلم أن هذه الرقبة تطير في سبيل الله، ربما تقول لي: ياشيخ! هذا في الأزمان الماضية، وهذا في الزمن القديم، أما اليوم فمستحيل، فأقول لك: أحدثك بقصة في هذا الزمن.
شاب مولع بالأغاني والطرب والنساء والمخدرات والخمور، كل معصية في الدنيا ارتكبها، لا تخطر على بالك معصية إلا وقد فعلها.
يقول الشاب عن نفسه: ضاقت عليّ الأرض بما رحبت، مللت الحياة، مللت الدنيا، وتتعجب عندما تسمع: أن أعلى نسب الانتحار هي في الدول المتحضرة، لِمَ؟
يشنق نفسه، يقطع شرايينه بالموس؛ لينزف الدم ثم يموت، يرمي نفسه من أعلى عمارة، يضع مسدساً على رأسه، فيطلق طلقة يموت منها، ما السبب؟
يقول: الشاب، ضاقت عليّ الأرض بما رحبت: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] يقول: خرجت من البيت سافرت لا أدري إلى أين؟
يقول: خطرت على بالي فكرة أن أذهب إلى أخي في بلد آخر.
يقول: طرقت الباب على أخي، وكان أخوه صالحاً.
قال أخوه: ما الذي جاء بك؟
قال: يا أخي! مللت الدنيا، مللت الحياة، جئتك أمتع نفسي.
قال أخوه: تفضل عندي
يقول: أخوه نام تلك الليلة، وفي الفجر جاء رجل يوقظه للصلاة، كل يوم كان يوقظ أهل البيت، يا أهل البيت صلاة الفجر، صلاة الفجر، قام الرجل فزعاً فأيقظ الشاب.
قال: ماذا تريد؟
قال: صلاة الفجر!
قال: دعني.
قال: لِمَ؟
قال: دعني فأنا لا أصلي أصلاً!
قال: أعوذ بالله.
قال: اتركني أنا لا أصلي؟!
قال: لِمَ لا تصلي ألست بمسلم؟
قال: اتركني أنام أنا لا أصلي.
قال: جرِّبِ الصلاة مرة!
يقول: فذهب الرجل وجلس يفكر على الفراش، ويتردد في أذنه جرب الصلاة مرة!
يقول: قام الشاب، واغتسل من الجنابة، ثم ذهب إلى المسجد، فإذا به يصلي، ثم يرجع إلى البيت يقول لأخيه: يا أخي! وجدتها.
قال: ماذا وجدت؟
قال: وجدت السعادة.
قال: أين؟
قال: وجدتها في الصلاة، وجدتها في السجود، وجدتها في الركوع!!
{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22] قال الشاب بعد أيام جلس فيها عند أخيه: سوف أرجع إلى أمي.
قال له: ارجع.
يقول: ذهب إلى أمه وطرق الباب، قالت أمه: ما الذي جاء بك مسرعاً هذه المرة؟
قال: يا أماه! وجدت السعادة في الصلاة وفي القرآن وفي العبادة، فرحت أمه، ظل أياماً مع أمه، ثم قال: يا أماه! أريد السفر.
قالت: إلى أين يا بني؟
قال لها: يا أماه! أريد أن أذهب إلى الجهاد في سبيل الله.
قالت أمه: لِمَ؟
قال: يا أماه! جسدي طالما عصى الله جل وعلا، وأريد أن أضحي بهذا الجسد لله عز وجل، قالت أمه: ما منعتك وأنت تسافر للمعصية، أفأمنعك وأنت تسافر للطاعة اذهب يا بني!
ذهب إلى الجهاد، وتدرب ثم دخل في المعركة، وفي ذلك اليوم، كان يحمل السلاح وبجنبه صاحب له، حميت المعركة واشتدت، فأصيب صاحبه بشظية، حمل صاحبه ليسعفه، أسرع به، لكن صاحبه استشهد في ذلك الموقع.
حفر القبر لصاحبه، أنزل صاحبه في القبر، ما غسله، ما كفنه، وهكذا الشهيد، يبعث عند الله وجرحه يثعب دماً في المحشر، اللون لون الدم، والريح ريح مسك، دمه يشهد له في المحشر، أنزل صاحبه في القبر ما دفنه، قال: اللهم إني أسألك أن لا تغرب شمس هذا اليوم إلا وقد قبلتني شهيداً في سبيلك.
لما أنزل صاحبه اشتدت المعركة مرة ثانية، أسرع إلى سلاحه، تقدم في المعركة خاضها أقبل بصدره في القتال وبعد لحظات فإذا به يفارق الحياة الدنيا، ويدفن في القبر الذي حفره مع صاحبه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30].