الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، وعلى آله وصبحه.
أما بعد:
أيها الإخوة الكرام: هذه رسالة موجهة إلى مدمن، ولعلكم تجدون أسلوبي في الحديث أسلوباً غير مباشر للحاضرين، ولكن لعل السامع منكم أن يستفيد من كلماتي.
أيها الأخ الكريم! أيها الأخ العزيز! أوجه إليك هذه الكلمات، يا من وقعت في حبائل المخدرات! يا من بدأت تتعاطى بل أصبحت مدمناً! أوجه إليك هذا الحديث، فأرع لي سمعك، وتوقف معي دقائق، واستمع لي، ولن تخسر شيئاً إذا لم تستفد من كلامي.
لو سألت أكثر المدمنين في هذا الزمن، وأكثر المتعاطين: لم تتعاطون المخدرات؟ ولمَ أدمنتم عليها؟ ولمَ وقعتم في حبالها؟
لأجابك أكثرهم أبحث عن السعادة، أبحث عن الراحة، أريد الطمأنينة.
اسأله السؤال الثاني: هل وجدتها؟
وأنا أظن بل أجزم بأن أكثر من تعمق في المخدرات، وأدمن عليها، سوف يجيبك بهذه الإجابة، ويقول: كلا.
والله، لا زلت أبحث عنها.
أتبحث عن هذه السعادة الموهومة؟!
جلست يوماً من الأيام أنصح شاباً، سلم نفسه بجريمة قتل عمد -قتل رجلاً ثم سلم نفسه- جلست معه أحدثه عن التوبة، وأخوفه من الله جل وعلا، وأنصحه فيما فعل، فقال لي: يا شيخ! ما تقول؟ أنا سبع سنوات مدمن للمخدرات.
قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، سبع سنوات وانظر إلى النهاية.
قال: نعم.
يا شيخ، سبع سنوات أنا مدمن لهذه المخدرات.
قلت له: بماذا كنت تشعر؟ قال: كنت أشعر كأنني أطير في الهواء.
قلت له: ثم ماذا؟ قال: ثم عذاب وألم وحسرة.
يقول: وهكذا سبع سنوات لم تنته إلا بالقتل، وسَلَمَ نفسه ينتظر القصاص، تعرف لم؟
لأن الله جل وعلا يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً} [طه:124] نعم يعيش يأكل يشرب، يلبس، ينام، يستيقظ، يمشي، يتحرك، لكن انظر إلى عيشته: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى} [طه:124 - 125].
السماء تفطرت، والأرض تزلزلت، والجبال نسفت، والبحار احترقت وسجرت، والقبور قد بعثرت، والوحوش حشرت، والولدان قد صارت رءوسهم شيباً، ويمشي هذه الرجل المسكين على صراط أدق من الشعر وهو أعمى، وأحدَّ من السيف، وجهنم تلهب من تحته، ويقول: {رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} [طه:125] أي: في الدنيا.
انظر إلى السبب: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [طه:126] تذكر ذلك المجلس الذي سمعت فيه بعض الآيات، تذكر ذلك الشريط الذي أهدي إليك فاستمعت إليه، لكنك نسيت: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:126].
أخي الكريم! أخي العزيز! تذكر وأنت تقدم على تعاطي تلك المخدرات، وأنت تقدم على استقائها، وأنت تُقدم على تجرعها، تذكر يا أخي العزيز! أنك تتعرض لغضب الرب جل علا، واعلم أنك لو مت وأنت على هذه الحال، ما دخلت الجنة (ثلاثة حرم الله عليهم الجنة: وذكر منهم: ومدمن خمر) الخمر الذي يذهب العقل، ويتفرع منه المخدر هذا الزمن.
تذكر يا أخي العزيز! وأنت تتجرع هذه المخدرات وتتعاطاها، أن المصير في النهاية وفي الخاتمة أنك تتجرع من ماء صديد: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} [إبراهيم:15 - 16] نهاية المخدرات والإدمان، عذاب في الدنيا، ثم حسرة، ثم موت، ثم جهنم: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم:16] قيح وصديد.
تتشقق الجلود، فتخرج قيحاً يتسابق أهل النار إليه ليأكلوه وليشربوا منه: {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:17] بل جاء في الحديث الصحيح: أن شارب الخمر يسقى من ردغة الخبال، وهي عصارة أهل النار، وتخيل مم تخرج؟
تخرج بعضها من قيح الجلود، ويخرج بعضها الآخر من الفروج، ويخرج بعضها من الأفواه والفم.
عصارة أهل النار، يتسابق إليها شارب الخمر والمسكر والمخدر ليشربوها، تذكر إن كنت من المتعاطين هذا المصير: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ} [الدخان:43 - 44] {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} [الدخان:45].
عندما يأكلون منه البطون تغلي، أرأيت القدر كيف يغلي بالماء؟ هكذا البطن يغلي ويفور من ذلك الطعام، وكما في الحديث: (لو أن قطرة من الزقوم سقطت على الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم) فكيف بمن تكون طعامه؟!
تذكر وأنت تقدم على هذه المعصية وذلك الإثم، تذكر هذا المصير: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} [الدخان:43 - 47] الملائكة تدفعه دفعاً، لكن إلى أين؟ إلى قعر جهنم: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الدخان:47].
ثم ماذا يا رب؟
{ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} [الدخان:48] فإذا صب على الرأس يدخل الحميم إلى المعدة والأمعاء، فيقطعها، إنا لله وإنا إليه راجعون!
هل تعدل تلك الجلسات، وهذه الهلوسة، وتلك السهرات، وهذه الحبوب، ذلك العذاب؟