خرج عمر بن الخطاب يوماً من الأيام ومعه غلام يسمى أسلم -وكان أميراً للمؤمنين- فرأى ناراً من بعيد، فقال لـ أسلم: مَن هؤلاء الناس في هذه الليلة المظلمة الباردة وعندهم هذه النار؟ هيا بنا نذهب إليهم، فذهب عمر فوجد امرأة عجوزاً وعندها صبية صغار يبكون ويصيحون، وعندها قدر فيه ماء يغلي فوق النار، فقال لها عمر -وهي لا تدري أنه عمر -: السلام عليكِ، فردت عليه السلام، قال لها: أأقتربُ؟ قالت له: اقترب، فاقترب منها وقال: ما شأنك يا أمة الله؟ قالت: الجوع يا هذا.
قال: وما شأن صبيانك؟ قالت: ألهيهم بهذا القدر حتى يناموا من شدة الجوع.
فقال لها: وماذا تريدين؟ قالت: أن أقف وعمر عند الله، فأحاسب عمر عند الله عز وجل، فقال عمر: وما يدري عنك عمر، وما الذي يُعْلِم عمر بحالك؟ فقالت تلك المرأة: يتولى أمور المسلمين ثم يغفل عنا، ويله من الله! فبكى عمر حتى اخضلت لحيته، ثم قال لـ أسلم غلامه: اذهب معي، قال: فهرول عمر وهرولت خلفه حتى أتى بيت الدقيق، فأخذ الدقيق وقال لغلامه: احمله على ظهري قال: أنا أحمله عنك يا أمير المؤمنين! قال: وهل تحمل عني وزري يوم القيامة؟ احمله على ظهري.
قال: فحمّلته على ظهره، فهرول حتى أتى إلى تلك المرأة، فأخذ يعجن ويطبخ ويقدح لها، حتى أكلت وأطعمت الصبيان، فذهب عمر وجلس من بعيد ينظر إليهم، فقلت له: ما شأنك؟ قال: اصبر، فَسَكَتُّ، قال: فنظر إليهم حتى شبع الصبيان وأكلوا وناموا، قال: والله ما كنت لأدعهم حتى يشبعوا ثم يناموا.
فذهب عمر وهو يبكي، أتعرف لماذا؟ لأنه يتمثل قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] ما هي أول صفة لهم؟ {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [المائدة:54].