وإذا بالسحرة كلهم عن بكرة أبيهم آمنوا بالله جلَّ وعلا، وخروا على الأرض سجداً: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} [الأعراف:120] إنها اللمسة الربانية، إنه الإيمان الذي إذا وقر في القلوب بدد الظلام كله، إنه الحق إذا وقع {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} [الأعراف:118 - 120] وماذا يفعل فرعون الآن؟ هل سجدوا فقط لله؟ لا.
بل {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف:121 - 122] ما تحمل فرعون هذا المنظر، فماذا سيفعل؟ وماذا سيصنع أمام الناس وأمام السحرة، بل أعظم السحرة؟ سجد السحرة كلهم لله تبارك وتعالى إنه الحق إذا وقع، وإنه الحق إذا جاء: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81].
قال فرعون: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} [طه:71] أراد أن ينقذ نفسه من الموقف، انظروا إلى السخافة {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} [الأعراف:123] أيها السحرة: لِمَ لم تأخذوا الإذن مني حتى تؤمنوا؟ انظروا إلى السخافة والجنون إذا بلغ بالإنسان مبلغه إن الإيمان قد انفجر في قلوبهم ولم يتمالكوا أنفسهم إلا أن وقعوا لله سجداً، وتلفظوا بقولهم: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف:121 - 122] كانوا قبل قليل يحاربون الله ويكرهون الناس على الكفر، ويقولون لفرعون: {أإِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} [الأعراف:113] يريدون الدنيا، وبعد لحظات وإذا بالأجساد تخر لله سجداً.