من الهموم أخي الكريم التي لا بد أن تشغلك، هم هذه الأمة، هم إصلاحها، ألا يقلقك؟ ألا يؤثر في قلبك؟
عندما تخرج من بيتك ولا يخرج أحد للصلاة غيرك ألا تضطرب أخي الكريم؟
عندما تقوم للفجر إن كنت من مصلي صلاة الفجر، أنك تمشي في الشارع لوحدك، ولا تسمع إلا قرع نعليك، ألا يحزنك؟
ألا يهمك هذا؟ ألا يصيبك بالحزن أن ترى في كل يوم تزداد بيوت الربا التي تحارب الله جهاراً نهاراً؟
ألا يحزنك ويقلقك لما ترى في الشارع هذه متبرجة، وهذه مع فلان، وهذه كاشفة عن رأسها، وتلك حاسرة عن ساعديها، ألا يحزنك يا عبد الله؟
إن هذا الهم قتل محمداً عليه الصلاة والسلام، حتى تقول عائشة: [كان يجلس -آخر عمره في الصلاة، تعرف لمَ؟ تقول-: مما حطمه الناس، مما حطمه الناس] ألا تحمل هذا الهم يا عبد الله؟
{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6].
همه إن لم يكن في الموت وفي القبر وفي القيامة وفي الجنة والنار فإنه في هموم الأمة، يحزن ويتألم، حتى قام من مجلسه وهاجر من مكة إلى الطائف، خرج إلى الطائف على قدميه الشريفتين، ودخل على رءوساء القوم وكبراءهم، حتى قال قائلهم قبحه الله: أما وجد الله غيرك ليرسله.
وقال الآخر: إن كنت صادقاً فلن أجيبك، وإن كنت كاذباً فأنا أكبر وأشرف وأعلم من أن أجيبك.
فتبعوه بالحجارة، يلحقهم الصبيان والعبيد والسفهاء، وهو يمشي حتى قال عليه الصلاة والسلام: (انطلقت -اسمع إلى الرواية- قال: هائماً على وجهي فلم استفق إلا بـ قرن الثعالب) تخيل من شدة الهم، ما يدري أين استفاق، مشى فلم يستفق إلا بـ قرن الثعالب، فجاءه ملك الجبال قال: (مرني أطبق عليهم الأخشبين -ترتاح، يزول الهم، يزول كل شيء- قال: لا.
أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً) وكان لسان حاله، يقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ} [يوسف:108].
أين أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، تعرف من هم؟
{أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} الدعاة إلى الله هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، هل هذا الهم الذي تحمله؟
ما الهم الذي تحمله يا عبد الله، هل تحمل هم الأمة؟
باخع نفسك، أي: قاتل نفسك على آثارهم: {إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6].
أيها الإخوة الكرام! إن القلب بعض الأحيان يكاد يتفطر إن كان في القلب إيمان، إن كان في القلب إسلام، لما ترى شباباً لا يصلون، بل بعضهم يضحك عليك لما تصلي، وجاءني أحدهم والله يقول لي بعد أن صلينا الظهر، قال: لا زلتم تصلون، الناس قد وصلوا القمر وأنتم لا زلتم تصلون، بل صارت الأسئلة الآن في حكم تارك الصلاة: هل يجوز أن يزوج أو لا يجوز أن يزوج؟
والله يا إخوة! يدمى القلب ويحزن القلب من حال هذه الأمة، قبل أيام خرجت من البيت حتى -أيها الأخ الكريم- يصيبك بعض الهم، لتنشغل على حال هذه الأمة، خرجت من البيت فإذا بزحام، والسيارات مجتمعة، وأصوات رنات السيارات والناس قد خرجت، فذهبت مسرعاً فإذا بالشوارع مغلقة، ما الخبر؟ وإذا الناس قد نزلوا من السيارات يرقصون، ما الذي جرى؟
وبعضهم يصور، وأغلقوا الشوارع، وكأن لسان حالي يقول: إن فلسطين لعلها حررت، الحمد لله، بل لعل مشكلة كشمير انتهت بفضل الله، أم لعله والحمد لله طبق شرع الله عندنا، يفرح الناس، يحق لهم أن يفرحوا بهذا، ولسان حالهم يرد، فيقولون: لا، بل فريقنا فاز في لعبة القدم.
أي سخف مدمر عن فساد الشعوب نم
وإلى أي خيبة هبطت هذه الأمم
ألف مليون أصبحوا كثغاء بشط يم
ومُصلى نبيهم بيد اللص يقتسم
أنا أقسمت بالذي برأ الكون من عدم
وكسا ثوب عزة كل من بالهدى اعتصم
إن قنعنا بسخفنا وركنا إلى النعم
فخطى الخصم ماضيات من القدس للحرم
عندها يندم الجميع يوم لا ينفع الندم
{فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ} [هود:116] أولوا عقل، أولوا نهى، ألوا ألباب، هؤلاء هم صفوة الخلق، من هم يا رب؟
{أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} [هود:116] هم هؤلاء أهل العقل، بل ما يستحق غيرهم أن يكونوا ألو بقية، ألو نهى، وألوا ألباب.
جاءني قبل أيام ضابط في المباحث، يقول: يا شيخ! ما طلعت من المخفر إلا الساعة الرابعة صباحاً، قلت: ما الخبر؟ قال: قبضنا على مزرعة أو حوطة كلها ممتلئة بالشباب والشابات دعارة، يقول: وكلهم أو أغلبهم من أهل هذه البلد، إخواننا وأخواتنا، يقول: وجئت إلى فتاة ليست كبيرة -صغيرات أكثرهن- فقلت لها: كيف خرجت من البيت؟ أهلك أين هم؟
تقول: أهلي يظنون أنني من خيرة الفتيات، ويحسبون أنني من أشرف الفتيات، قلت: كيف إلى الفجر ما يدرون عنكِ؟
قالت: قلت لهم: إنني في عرس.
أين الرجال؟ أين أولو الغيرة؟ أين أصحاب الحمية؟
أين الدعاة إلى الله جل وعلا؟
صار هم بعضهم -للأسف- أنه يحضر هذا المجلس ثم يشرب شاهي وقهوة، ويقلب كف على كف ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
لا حول ولا قوة إلا بالله تقولها بعد أن تبذل الأسباب، بعد أن يشغل قلبك فتسجد في الليل وأنت تبكي تقول: اللهم أمتي أمتي، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، ولهذا ذلك الذي آمن من قوم إسرائيل من قوم فرعون ماذا قال؟
{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} [غافر:29] ولهذا قال في خاتمة كلامه: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} [غافر:44].
أيها الناس: تحركوا! وليشغلنا على الأقل الهم في البداية، لأنه إذا دخل هذا الهم في القلب وصلحت هذه المضغة، صلح الجسد كله، فتجده إما متكلماً أو كاتباً أو ناشراً أو موزعاً أو طارقاً للأبواب، أما إذا فسدت هذه المضغة، فتجده يصد، ويقول للداعية: ماذا تفعل؟ الفساد أكبر منك، يا أخي! ما تستطيع أن تفعل شيئاً، ويأتي المريض الثاني فيقول: الحمد لله نحن بخير، نحن أفضل من غيرنا، ولكن الخطأ باقٍ، والمنكر يبقى منكر، والربا من الموبقات، والزنا من المحرمات، والفواحش من أسباب هلاك الأمم، لابد أنك ترضى بهذا وتصدق هذا، ولهذا زينب لما قالت: {أنهلك وفينا الصالحون!؟} فينا صالحون الحمد لله، يتبجح بها بعض الناس، فينا الحمد لله أهل الصلاة، أهل المساجد، والصائمون والمتصدقون نعم، لا نشك بهذا، ولكن قال: {نعم إذا كثر الخبث} ما الهم الذي تحمله؟
أسألك بالله أيها الأخ الكريم! هل همك لا زال -بعد هذه الكلمات- في أثاث سوف تشتريه بعد أيام؟
أم لا زال همك في شهادة سوف تحصل عليها بعد أشهر؟
أم همك لا زال في سفر سوف تسافره بالصيف؟!
أم همك لا زال في سيارة سوف تركبها بعد أيام؟!
همك بم يا عبد الله؟!
ما الهم الذي تحمله؟
نعم.
لا تنسى نصيبك من الدنيا، ولكن لا تطغى عليك الدنيا: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء:77].