من أهم الأسباب التي تفرق بين المسلمين: الكبر.
اسمع أول سببٍ يفرق بين المسلمين، وفتش في نفسك، هل هذا السبب فيك؟! هل هذا الأمر دخل في قلبك يوماً من الأيام؟ (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) ذرة من كبر تمنع الإنسان عن الجنة.
وأول ما عصي الله عز وجل به الكبر: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34] {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [ص:76] يقول: أنا خيرٌ من هذا، تريد أن تساويني به؟! {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص:76] أنا خيرٌ منه، أنا من قبيلة كذا وهو من قبيلة كذا، أنا خيرٌ منه، أنا منصبي كذا وهو عامل نظافة، أنا خيرٌ منه، أنا جنسيتي كذا، وهذا جنسيته كذا، قل لي بالله: هل هناك فرقٌ بين المعنيين، بين كلمات إبليس وما يطلق من كلمات في هذا الزمن؟ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص:76] إنه الذي ملأ قلوب بعضنا.
ما هو الكبر؟ هل الكبر أن يركب الإنسان سيارة نظيفة، أو يلبس ملابس جميلة، أو يتزين عندما يدخل المجالس؟ لا، هذا ليس من الكبر، بل هذا مطلوب إن لم يتجاوز الإسراف، الكبر: بطر الحق وغمط الناس، أن يرد الإنسان الحق ويحتقر الناس، يحتقر أي إنسان كان ولو كان يعمل أخس الأعمال، ولو كان يعمل في النجاسات؛ فإن احتقره فإن في قلبه كبراً، قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13] فقد قسمنا الله إلى أمم وشعوب وألوان وجنسيات لهدفٍ واحد، قال عز وجل: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13] فإن دخل في قلبك كبر فاسمع قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].
دخل رجل فقال عليه الصلاة والسلام: (ما تعدون هذا فيكم؟ فقال: يا رسول الله! هذا حريٌ إن تكلم أن يسمع له -هذا رجل لو جلس في مجلس ونطق فالكل يسمع له- وإن خطب أن ينكح -لو أراد أي بنت فلا أحد يرده- وإن استأذن أن يؤذن له -يدخل أي مكان شاء، فهو رجل ذو وجاهة ومنصب- ثم دخل رجلٌ آخر، فقال: ما تعدون هذا فيكم؟ قالوا: يا رسول الله! هذا حريٌ إن تكلم ألا يسمع له -لا أحد يأبه له، ولا أحد يلتفت إليه- وإن خطب ألا ينكح -لا أحد يزوجه، فهو مسكين فقير رث الهيئة، والناس لا تلتفت إليه، هذا ميزان من؟ ميزان البشر، أما ميزان رب البشر فإنه يختلف- قال: والله إن هذا -أي: الفقير المسكين المطرود المنبوذ- خيرٌ من ملء الأرض من مثل ذاك) الله أكبر! ديننا عظيم، ديننا كبير، وليس هناك دينٌ أعظم منه.
ليدع الغرب ما يدعون من الحضارة، وليزيفوا ما يزيفون من الحقائق؛ فإن في أعظم دولة متحضرة في هذا الزمن يدخل مليون رجل -من الاضطهاد والعصبيات والعنصريات- السجون ويضربون؛ بل ويقتلون لأجل لونهم!
أيدعون الحضارة؟! أي حضارة هذه؟!! كذبوا والله!
حضارتنا وديننا يجعل فيه عليه الصلاة والسلام أسامة بن زيد -وهو مولى ابن مولى- قائداً لجيشٍ فيه أبو بكر وعمر، هذا ديننا، وهذه حضارتنا، وهؤلاء أجدادنا وأعلنها صلى الله عليه وسلم مدوية: (لا فضل لأعجمي على عربي ولا لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) وذلك موافق لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
الكبر وما أدراك ما الكبر؟!
انظر إلى أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام كيف كان متواضعاً؛ صبيان صغار يقول أنس: (كان يأتيهم فيسلم عليهم) هل جربت هذا؟!
ماذا يصنع قائد الأمة، الحاكم، رئيس الدولة، ماذا يصنع في البيت؟!
تقول عائشة: كان يخصف نعله؛ إذا تقطع نعله كان يصلحه؛ بل كان يصلح ثيابه؛ بل كان يقوم في خدمة أهله، فمن منا جرب هذا؟
يخدم أهله في البيت، بل كان أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام يحلب الشياه، وكانت تأتيه الجارية البنت الصغيرة، فتأخذ بيده فتذهب به أين شاءت؛ لا يردها حتى تقضي حاجتها؛ بل كان ينام على الحصير حتى يؤثر في جنبه، وكان إذا أكل لا يتكئ، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقها، وكان يقول: (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم؛ إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله).
الله أكبر!
{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف:146].
علام تتكبر؟!
مرَّ مَلِكٌ على عالم من العلماء، فلم يقف له العالم قال: ويحك! ألا تدري من أنا؟! -أتدري من أنا الذي جئت ولم تقم لي؟! - قال: أعرفك، قال: من أنا؟ قال: أنت أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين هذا وهذا تحمل في بطنك العذرة، فقال الملك: إي والله! ما عرفني إلا هذا!
(لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر).
عندما تولى أبو بكر الخلافة قالت جارية من الجواري -وكان يحلب لهن الشياه- الآن أبو بكر صار خليفة، لا يحلب لنا الشياه، فسمعها أبو بكر، فقال: لا والله! أبو بكر يحلب الشياه قبل الخلافة وبعد الخلافة.
عمر يحمل كيساً من الدقيق إلى الفقراء فيقال له: يا عمر أنت الآن خليفة وتفعل هذا؟! قال: وجدت في نفسي شيئاً فأردت أن أكسرها.
عثمان ينام في المسجد، فلا يُدرى من هو الخليفة، لا يعرفون من هو أمير المؤمنين؛ لا يعرفون عثمان بين أصحابه.
علي بن الحسين رضي الله عنه من آل بيت رسول الله، فهو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما مات وجدوا في ظهره سواداً قالوا: من أين هذا السواد؟ فسألوا عنه؟ فقيل: إنه كان يحمل كل ليلة الدقيق على ظهره في الليل، ولا أحد يراه، ويوزعه على أيتام المسلمين.
الحسن بن علي بن أبي طالب مر يوماً على فرسه، فوجد الفقراء على الطريق ليس عندهم إلا كسرة خبز، فقالوا: هلمَّ إلى الغداء يابن رسول الله -انزل تغد معنا يابن رسول الله- فنزل وهو يقول: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل:23] فنزل وأكل معهم خبزاً يابساً على الطريق.
يأكل مع فقراء المسلمين؛ لأنه يعلم أن الله جل وعلا لا يحب المستكبرين.
أيها الإخوة المسلمون! التآلف والتحاب والتواد والتآخي بين المسلمين أصلٌ من أصول ديننا، وإن اختلفت الجنسيات، والأوطان، والألوان، فإننا كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10].
أقول هذا القول، وأستغفر الله.