معشر الإخوة والبنين! ولقائل إن يقول: فإن بلي المرء بالجلوس في مجلس طعنٍ أو غيبة وما في حكمها، فماذا يصنع؟
نقول: إن عليه أن يردها، ويزجر قائلها بالكلم أولاً، وحاله ومقاله كحال ذلك الشيخ/ محمد الأمين، حين جاءه رجل كبير، وكم من كبير يحق عليه، عقله عقل طائرٍ وهو في هيئة الجمل، فبدأ يغتاب عنده في مجلسه، فنهاه الشيخ في هدوء:
وهدوء أمواج البحار تأهبٌ للمد يكتسح الشواطئ صرهرا
فقال المغتاب: أنا المتكلم لا أنت، يعني: عليَّ تبعة كلامي، فقال الشيخ: أنا شيخ بين جنبي سورة البقرة، إما أن تسكت بأدب أو تخرج، حاله:
فإن أر حقاً كنت للحق تابعاً وإن أر غير الحق أطلق قذيفتي
وإني على هذا يراعي ومقولي وذلك أسلوبي وتلك طريقتي
فإن لم ينزجر، فباليد إن كانت لك ولاية، فإن لم تستطع باليد ولا باللسان، ففارق ذلك المجلس، لا خيار لك، إن بقيت فإنك إذاً مثلهم، قال الله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68].
فإن أعيتك الحيل ولم تستطع المفارقة حرم عليك الاستماع والإصغاء، ولزمك أن تسل قلبك من بينهم كسل الشعرة من العجينة، تذكر الله في عزلة شعورية، تكون معهم فيها حاضراً غائباً، قريباً بعيداً، يقظان نائماً، تنظر إليهم ولا تبصرهم، تسمع كلامهم ولا تعيه، قد انشغل قلبك بتصور عظمة من تناجيه جل جلاله وتقدست أسماؤه، فأنت في وادٍ وهم في وادٍ؛ حالك:
يا ربى الوادي ويا كثبانه رددي همسي وغني بهديلي
سامعاً غير مستمع، مأجوراً بإذن الله غير مأزور، وليس شيءٌ أصعب ولا أشق على هذا من النفس، ولكن من صدق الله كان الله له وكان معه:
تبارك من إن ندن منه تَقَرُّباً بشبرٍ دنا منا ذراعاً برحمة