هاهو العلامة/ محمد الأمين صاحب الأضواء عليه رحمة رب العالمين، قد عُرف بهذا الخلق العزيز، وهو شدة التجافي عن الوقوع في أعراض الناس، كان محارباً مرابطاً على ثغر، لا يسمح لأحدٍ بنسف عرض أخيه في مجلسه، فيحمي نفسه ويحمي مجلسه، ويؤدب على ضبط النفس من يلوذ به، فيعينه على ما ينفعه ويرفعه، ويربأ به عما يضره، إنه محمد، واقتدى بمحمد صلى الله وسلم على نبينا محمد:
ومن ينحرف عن خط سير محمد يصر في يد الشيطان مثل البهيمة
ولا تحسبن السير خلف محمد كرحلة صيد أو كمشوار نزهةِ
يقول: لقتل الأولاد ونهب الأموال أهون عندي من أخذ الحسنات من رجلٍ كبيرٍ مثلي.
ثم لا يغتاب ولا يسمح بالغيبة، ويقول: إذا كان الإنسان يعلم أن كل ما يتكلم به يأتي في صحيفته يوم القيامة، فلا يأتين فيها إلا بالطيب
فرائدٌ خردٌ ترسو جواهرها فوق الكواكب لا بطن التجاليد
وفي رحلة الحج سجَّل هذا الموقف العظيم، يقول: ثم جئنا آخر النهار قرية نائية، فالتمسنا رجلاً عربياً نبيت عنده، فدعانا رجلٌ عربي فأنزلنا منزلاً يعوي منه الكلب، وأغلق علينا الباب من الخارج، فبتنا ليلة لا أعاد الله علينا مثلها، ذكرتني ليلة النابغة التي يقول فيها:
كليني لهم يا أميمة ناصب وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب
تطاول حتى قلت ليس بمنقضٍ وليس الذي يرعى النجوم بآيب
وليلة المهلهل التي يقول فيها:
إذا أنتِ انقضيت فلا تحوري
وأنقذني بياض الصبح منها وقد أنقذت من شيء كبير
يقول: فكان صبح تلك الليلة أحب غائبٍ إلينا، يقول -واسمع إلى ما قال، وهذا هو موطن الشاهد- يقول: والله الذي لا إله إلا هو ما سألت عن اسمه ولا عن اسم أبيه خوفاً من أن أقع فيه:
فسما بأروقة الجوى فأحلها فرع الثريا وهي في أصل الثرى
حتى ظننا الشافعي ومالكاً وأبا حنيفة وابن حنبل حُضَّرا