الأولى: ضعف الإيمانيات والعبادة فيها.
حتى لا تكاد تجد فيها مصلياً، أو داعياً، أو قارئاً للقرآن، أو ذاكراً لله، أو تالياً آيات الله، أو باكياً، أو رافعاً يديه، يقول عليه الصلاة والسلام: (مثل البيت الذي يذكر الله فيه والذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت) فهل رأيت الفرق بينهما؟
ويقول الله عز وجل لموسى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً} [يونس:87] لمَ؟ ماذا نجعل في هذه البيوت يا رب؟
لقد كان فرعون يقتل الرجال ويستحيي النساء، ويتبعهم ويلاحقهم ويعذبهم، فما حاجتنا لهذه البيوت؟
قال الله تعالى: {أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس:87] قال ابن عباس: [أمروا أن يتخذوها مساجد] ليلزم كلٌ بيته، وليغلق على نفسه الباب، وليأتي إلى زوجته وأبنائه وإخوانه وأخواته فليقيموا فيه الصلاة.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153] أين بيوتنا من تلك البيوت؟ ولنسرد عليكم بعض صفات بيوت الصالحين وقس بيتك على بيوتهم:
عتبان بن مالك أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم البدريين يقول: (أتيت رسول الله، فقلت: يا رسول الله! قد أنكرت بصري -يعني: ضعف بصري- وأنا أصلي لقومي، فإذا كانت الأمطار وسال الوادي الذي بيني وبينهم لا أستطيع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، وددت يا رسول الله! -انظر إلى طلبه وقس نفسك عليه- أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى) أي: تصلي فأجعل مكاناً في بيتي مصلى أصلي فيه، فأين هذا المصلى في بيتك؟
ابحث عنه، هل هو في غرفة نومك؟ أم في غرفة الجلوس؟
أم المكان الذي يجتمع فيه أهل البيت؟
سل نفسك هل يوجد هذا المصلى في بيتك تصلي فيه النوافل؟
قال: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سأفعل إن شاء الله، قال عتبان: فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله فأذنت له فلم يجلس حتى دخل البيت ثم قال: أين تحب أن أصلي من بيتك؟ -أي مكانٍ تحب أن تجعله مصلى- قال: فأشرت له في ناحية البيت، هذا المكان يا رسول الله! قال: فقام رسول الله، فكبر فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم) رواه البخاري {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس:87].
عبد الله! هل تتذكر آخر مرة صليت فيها نافلة في بيتك؟
قال عليه الصلاة والسلام: (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها مقابر) عندما تصلي في البيت ويأتي أخوك الصغير، فينظر إليك، فماذا سيفعل؟ وعندما تأتي أختك الصغيرة، فتنظر إليك وأنت تصلي النافلة، وتراقب، فماذا تظنها فاعلة؟
سوف تقلدك في الصلاة، تخيل -عبد الله- وأنت تصلي هل يجرأ أحدٌ في البيت أن يغني، أو يرفع أصوات الغناء؟
فوالله إن الشياطين لتفر من البيت، فلتجعل لبيتك من صلاتك النافلة.
يقول ابن عباس -انظر الابن إذا رأى زوج خالته يصلي ماذا يفعل؟ - يقول ابن عباس: (بت في بيت خالتي ميمونة -أم المؤمنين رضي الله عنها، زوج رسول الله- قال: فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء -تخيل غلام صغير يقص تلك القصة، انظر كيف تأثر بذلك القدوة- ثم جاء إلى منزله قال: فصلى أربع ركعات، ثم نام، ثم قام فقال: نام الغليم -يعني ابن عباس - يقول: وأنا أنظر إليه -يراقبه ابن عباس صغير قال: فتوضأ ثم قال: فقمت من النوم فتوضأت مثل وضوئه ثم صففت عن شماله وصليت -غلام صغير إذا رآك تصلي يفعل مثلك؟ - قال: فجذبني بأذني وجعلني عن يمينه، يقول: فصليت معه حتى صلى خمس ركعات، قال: ثم صلى ركعتين، فنام حتى سمعت غطيطه) انظر كيف تأثر الصبي انظر كيف يتأثر أفراد البيت بمن يصلي في البيت؟
كان عبد العزيز بن أبي روَّاد رحمه الله إذا جن عليه الليل يأتي إلى فراشه فيمر يده على فراشه فيقول: إنك للين، ووالله إن في الجنة لألين منك.
نعم إن الفراش لين، لكن في الجنة ما هو ألين منه، ولا يزال يصلي الليل كله {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:15 - 16].
ومعاوية بن قرة كان يقول إذا صلى العشاء: يا بني! نوموا، يا بني! نوموا لعل الله أن يرزقكم من الليل خيراً، يأتي بعد العشاء وينوم أهل البيت حتى يقوموا آخر الليل.
وانظر إلى الأم كيف تتأثر بابنها إذا صلى!
تقول أم الربيع بن خثيم إذا رأته قام بالليل، يصلي فيبكي: يا بني! لعلك قتلت قتيلاً -أخبرني اعترف- فيقول: يا أماه قتلت نفسي {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9].
وانظر كيف تتأثر البنت بأبيها عندما يصلي!
تقول ابنة عامر بن عبد قيس: يا أبتاه! مالي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام! فيقول: يا بنية! إن جهنم لا تدع أباك ينام {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً} [طه:132].
عبد الله! أين أنت من صلاتك في البيت؟ انظر إلى أولئك الصالحين، تقول زوجة مسروق: كان إذا قام الليل جلست خلفه أبكي عليه، فإذا صلى انتفخت قدماه، فإذا انتهى من صلاته لا يستطيع أن يمشي من شدة القيام، تنتفخ قدماه، تقول: أبكي خلفه وأسأل الله عز وجل أن يعينه.
انظر كيف تتأثر الزوجة بزوجها؟
وانظر كيف يتأثر الابن بأبيه يقول: عبد الله بن الإمام أحمد: كان أبي يقرأ كل يوم سُبعاً، يعني سبع القرآن، يصلي بالليل سبع القرآن، يعني في كل سبعة أيام يختم القرآن كله، يقول: وكان ينام نومة خفيفة بعد العشاء ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو.
يقول وكيع: كان علي والحسن ابنا صالح بن حي وأمهم قد جزءوا الليل ثلاثة أجزاء -تخيل- يقول: فكان علي يقوم الثلث ثم ينام، ويقوم الحسن الثلث ثم ينام، وتقوم أمهما الثلث ثم تنام.
يعني الليل كله صلاة في صلاة، وتدخل البيت فلا تسمع -كما تسمع في بيوتنا- تلفازاً ومسلسلات وأغاني ومجوناً وطرباً وفساداً وتنتشر الشياطين وتعشعش في البيوت، لا والله إن دخلت فالليل كله قراءة في قراءة، من أوله إلى آخره، فماتت الأم فجزآ الليل بينهما، أحدهما نصف الليل والثاني النصف الآخر، قال: ثم مات علي، فقام الحسن الليل كله، حتى لا تمر دقيقة في الليل إلا وفي البيت مصلي.
زيد بن الحارث أتعرف ماذا يفعل؟ كان يجزئ الليل مع ابنيه ثلاثة أجزاء، له جزءٌ، ولابنه جزءٌ، ولابنه الثالث جزء.
حتى لا تبقى في الليل ثانية إلا ومصلٍ أو راكعٍ أو ساجدٍ أو قارئ للقرآن.
ويقول إبراهيم بن وكيع: كان أبي يصلي فلا يبقى في دارنا أحدٌ إلا صلَّى حتى جارية سوداء.
كل أهل البيت يصلون حتى الخادمة تصلي معهم في الليل.
ويقول أبو عثمان النهدي: تضيفت أبا هريرة -جلست عنده ضيفاً- سبع ليال، يقول: فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثاً، تخيل حتى الخادمة تصلي معهم الليل {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً} [مريم:54] أتعرف ماذا كان يفعل؟
{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم:55].
عبد الله! إن قمت لصلاة الفجر فمن يقوم معك؟
إن قمت الليل فمن يصلي معك؟
سلوا أنفسكم وانظروا إلى بيوتكم، كلٌ منا ينظر إلى بيته، هل يقوم أهل البيت؟
هل يقوم الوالد والوالدة؟
هل يقوم الإخوة والأخوات؟ هل يقوم الأبناء؟
هل تقوم الزوجة؟ هل يقوم الأهل؟
يقول رفعة بن صالح: كان له أهلٌ وبنات كان يقوم فيصلي ليلاً طويلاً، فإذا كان السحر، يعني: إذا جاء آخر الليل أتعرف ماذا يفعل؟
يصلي لوحده، فإذا جاء آخر الليل نادى بأعلى صوته:
يا أيها الركب المعرشون أكل هذا الليل ترقدون ألا تقومون فتصلون.
يقول: فيهب أهل البيت جميعاً صغيراً وكبيراً، فمن باكٍ، ومن مصلٍ، ومن داعٍ، ومن متوضئٍ، ومن ذاكرٍ لله، يقومون حتى صلاة الفجر، لا يبقى أحدٌ في البيت إلا وقام.
وتزوج رياح القيسي رحمه الله امرأة -وهو رجل صالح- يقول: فلما جاء الليل في الليلة الأخرى قال: قامت تصلي، وأراد أن يختبرها، فقامت ربع الليل فلما انتهى ربع الليل قالت: يا رياح! قم فصلِّ، قلت: سوف أقوم، ورجعت ونمت، أريد أن أختبرها، يقول: فمضى الربع الآخر، نصف الليل وهي تصلِّ، فقالت: يا رياح! قم فصلِّ، تريده أن يصلي لتنام، يقول: فقلت: سأقوم ونمت، أريد أن أختبرها، يقول: فذهب الربع الثالث فقالت: يا رياح! قم فصلِّ، يقول: فقمت ورجعت فنمت، يقول: فقالت لي: مضى الليل وعسكر المحسنون وأنت نائم، ليت شعري من غرني بك يا رياح!
أي أنه لا يقوم الليل، فكيف بحال بيوتنا؟ لا يصلي بعضهم حتى الفجر، يقول: فقامت حتى الصباح، قامت الليل كله.
عبد الله! هل يُقرأ في بيتك القرآن؟
قال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة).