يا عباد الله! يا مسلمون! كثير من الناس اليوم يعيشون حياتهم ولا يعنيهم منها إلا طعام يشبِع، وشراب يروِي، ولباس يُتَزَيَّن به، ورفاهية ينعمون بها، تراهم يسعون في الأرض ويجدُّون، وماء وجوههم في سبيلها يريقون، لا يفكرون فيما وراء ذلك من عزة نفس، أو علو همة، فكأنهم لا يعقلون.
أولئك الصنف من الناس عن كرائم الغايات مُبْعدون، وفي سبل الشهوات يعمهون، إذا ما دعا الداعي للجهاد -ومواقف الجهاد تقتضي أن يتنازل الإنسان على رفاهيته، وأن يتخلى عن كثير من ضرورات حياته- إذا ما دعا الداعي هؤلاء نكص كل منهم على عقبيه، ورضي بأن يكون مع الخوالف، وحق عليه قول الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11].
ولا إله إلا الله! ما أكثر هذا الصنف بين المسلمين! وهو سبب الذل، والمهانة، والهزيمة، والعار، والهوان.
لكنَّ هناك صنفاً آخر -وإن عزَّ وقلَّ- لا يرضى إلا بالحياة العزيزة الكريمة يرفض العيش في ظل الاستعباد يرفض انتقاص الكرامة.
هذا الصنف إذا ما أذن مؤذن الجهاد: يا خيل الله اركبي! جعل الدنيا بما فيها من زينة وبهجة خلف ظهره، وحمل السلاح، وضحى في سبيل الله بكل غالٍ ونفيس، إنه يُضحي بأسرته؛ وأسرة الإنسان أعز ما عنده، ويُضحي بأمواله؛ والمال عند الكثير شقيق الروح، ويُضحي بالمسكن؛ والمسكن على القلوب عزيز، كل ذلك في سبيل من فراغ؟
في سبيل الله جل وعلا.
يحمل الإيمان في قلبه كالجبال، قبل أن يحمل السلاح، أولئك الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.